في بلد النيل .. وزير الزراعة يبيع مياه الري للفلاحين

الأربعاء، أكتوبر 07، 2009

تلقى الفلاح المصري خلال العقدين الأخيرين ضربات متتالية جعلته يترنح ولكنه أصر على الصمود والاستمرار، ولكن ما زاد الطين بلة أن الحكومة قررت أن تعلن نهاية هذا المسكين بالضربة القاضية، من خلال وزير الزراعة المصري أمين أباظة الذي يسعى لطرح مشروع قانون على مجلس الشعب قريبا والذي من المقرر أن يضع تسعيرة لمياه الري وبيعها للفلاحين الأمر الذي يعتبره الفلاحون "كارثة" على قطاع الزراعة في مصر.


محيط – يتذكر المصريون أغنية الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب "محلاها عيشة الفلاح مطمن قلبه مرتاح" التي كانت تعبر حينها عن طيب حياة المزارع وراحة باله .. انقلب الحال هذه الأيام فلم تعد حياته هانئة ، وقلبه لم يعد مطمئن و تحول إلى حصالة للأحزان والهموم .. واصبح مكبلاً بالديون ومهدداً بالسجن.
وتلقى الفلاح المصري خلال العقدين الأخيرين ضربات متتالية جعلته يترنح ولكنه أصر على الصمود والاستمرار، ولكن ما زاد الطين بلة أن الحكومة قررت أن تعلن نهاية هذا المسكين بالضربة القاضية، من خلال وزير الزراعة المصري أمين أباظة الذي يسعى لطرح مشروع قانون على مجلس الشعب قريبا والذي من المقرر أن يضع تسعيرة لمياه الري وبيعها للفلاحين الأمر الذي يعتبره الفلاحون "كارثة" على قطاع الزراعة في مصر.
الحكومة من ناحيتها أكدت أن مشروع القانون سيأتي لضمان كفاية المياه للأراضي الزراعية وتنظيماً للمحاصيل كثيفة استهلاك المياه ، خصوصا 80 بالمئة من مياه النيل تذهب للزراعة.
كلام فارغ
مشروع القانون آثار ذعر الفلاحين حيث اعتبره محمد عزب أحد المزارعين بمحافظة الغربية بأنه "كلام فارغ"، مبينا لشبكة الإعلام العربية "محيط" أن معظم الفلاحين يتركون اراضيهم للبوار خصوصا ان الزراعة في لم تعد مصدرا رئيسيا للربح وفي بعض المواسم تعود عليه بالخسارة. ويضيف عزب "زرعت العام الماضي 10 قيراط بمحصول الأرز تكلفت 1500 جنيه وكان عائدها 1000 جنيه فقط".
ويتوقع عزب أن يصبح مشروع قانون تسعير مياه الري حقيقة، لأن الحكومة بدأت في إنشاء قناطر على الترعة التي تروي أراضي بلدته كمرحلة لتركيب عدادات لحساب استهلاك مياه الري.
ويرى عزب أن المزارعين لا يسرفوا في ري الأراضي كما تدعي الحكومة، فهو لا يأخذ سوى ما تحتاجه الأرض ولا يصلح ري الأراضي الطينية بطريقة الرش مثلا، ويشير أن هناك مشكلات عديدة تواجه عملية الري ولا توليها الحكومة اهتمام.
ويضيف: فهناك مياه صالحة للري تصب بمجاري الصرف نظرا لفساد المواسير مما يشكل إهدارا للمياه، كما أن بعض المناطق لا تصلها المياه النظيفة من الأساس فيضطر الفلاحون لري زراعتهم من مياه الصرف.
ويشير عزب الى أن المزارع المصري يعاني الآن الأمرين، فمنذ سنوات قليلة كنا نعتمد على زراعة القطن والقمح والأرز، ولكن انتهى أجل زراعة القطن طويل التيلة تماما، ومن يتجرأ ويزرع القطن إما أن يبيعه بثمن بخس أو يحتفظ به لنفسه، بالإضافة إلى أن بذور القطن لم تعد جيدة كما في السابق فمحصول القطن هذا العام تلاحقه الخسارة من كل اتجاه فلوزة القطن ضامرة وفاسدة.
مزارع : مياه الري لا تصلنا حتى نشتريها
كما أصبحت تكلفة زراعة القمح والأرز أعلى من دخلهما، موضحا أن الفلاح يتحمل تكاليف باهظة لحين الحصاد، بداية من شراء التقاوي والأسمدة، التي تضاعفت أثمانها من 35 جنية إلى 80 للشيكارة، بجانب تكلفة الجاز والبنزين التي تعمل بها مواتير الري وارتفاع أسعار الأيدي العاملة، بالإضافة إلى ارتفاع سعر إيجار الفدان إلى 4000 جنية وأكثر سنويا.
ليست فكرة عقابية
وعلى العكس يقول محمد حسن حفناوي عضو مجلس الشورى المصري لـ"محيط"، أرجو أن "تقر الحكومة هذا القانون ولكن ليس على حساب الغلبان، وللعلم فإن فكرة مشروع القانون ليست عقابية ولا وسيلة للجباية، ولكن علينا أن نتساءل ما هي الوسيلة التي يمكن من خلالها ترشيد المياه غير هذه الطريقة".
ويضيف حفناوي: من وجهة نظري لابد أن تباع المياه للفلاح بأجور رمزية على أن تخصص له كمية معينة بالمجان وعند إسرافه تبدأ محاسبته بشكل تصاعدي. ويجب ألا يغفل القانون الأثرياء من أصحاب ملاعب الجولف وحمامات السباحة ويلزمهم بدفع ضريبة كبيرة جدا.
ويتوقع حفناوي أن يعقد الحزب الوطني الحاكم جلسات مناقشة لمشروع القانون ودراسته من جانب المتخصصين دراسة جدية حتى لا يحسب عليه في النهاية اندفاعا أحمقا، ويؤخذ في الاعتبار عمل توازن لمصلحة الفلاح فعند بيع المياه في المقابل يتم تخفيض أسعار الأسمدة والحبوب.
أما محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين والنائب السابق بمجلس الشعب فيقول لا أتوقع أن يتم إقرار هذا القانون لأنه سوف يثير ردود فعل شديدة للغاية، والفلاحين الغلابة المسحوقين "هيلاقوها منين ولا منين .. ناقصة كمان نبيع لهم المياه".
كارثة حكومية
ويوافقه في الرأي سعد الكتتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب ، قائلا أشك أن يتم إقرار قانون لبيع المياه للفلاحين إلا إذا كان هناك توجه من جانب الحكومة لإحداث كارثة فهي تستطيع تمرير أي قانون عن طريق الأغلبية البرلمانية للحزب الوطني التي توافق على ما تقره الحكومة دون تفكير.
يقول إنه إذا كانت هذه سياسة الحكومة فسوف تنذر بكارثة غير مسبوقة. ولو تبقى لدى الحكومة القليل من العقل فمن المستحسن عدم الإقدام على هذه الخطوة.
ويضيف الكتتني بالنسبة لنا كمعارضين سوف نقاوم هذا القانون بمبررات منطقية لأنه سوف ينعكس على كل شيء في حياة الفلاح الذي يعيش في فقر مدقع، ونحن كمعارضين لسنا مسئولين عن اتخاذ القرار فمسئوليتنا تتحدد في معارضة وتفنيد هذه القوانين والتصويت ضدها وبعدها ينتهي دورنا.
بيع مياه الري للفلاحين تنذر بكارثة
ويشير انه غالبا ما تُقدم الحكومة على اقتراح مثل هذه القوانين لغياب التخطيط والفكر المنظم بها، موضحا أن الحزب الوطني لن يغامر على الأقل هذه الأيام بطرح هذه القضية حيث لا يحتاج لإثارة القلاقل ضده، لأن انتخابات مجلس الشعب أصبحت وشيكة ويحتاج للدعم. وبالتالي يمكن أن يعرضه على المجلس العام المقبل.
تاريخ لا ينسى
وللزراعة المصرية قصة طويلة لا تمحوها الأيام، فتعتبر منذ القدم النشاط الأول للمصريين وبفضلها أسس الفراعنة حضارة بهرت وحيرت العالم أجمع، وكانت مصر مخزنا للغلال في العالم القديم، وهو ما جاء ذكره في كتاب الله العزيز حين قال سيدنا يوسف عليه السلام لملك مصر {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } سورة يوسف الاية 55
ورغم هذا التاريخ العظيم إلا أن الزراعة تنهار بمرور الوقت وكأنها تتعرض لخطة منظمة للقضاء عليها، وتلقى الفلاح المصري العديد من اللطمات على وجهه بدأت مع إقرار قانون المالك والمستأجر في الأرض الزراعية رقم 96 لعام 92 والذي تم تطبيقه في أكتوبر 1997، وأطلق عليه قانون "الإقطاع الجديد"، لأنه يراعي مصلحة كبار ملاك الأراضي، ولم يأخذ في اعتباره ما سيحدث لأكثر من 900 ألف مستأجر أصبحوا مهددين بترك الأرض للمالك أو الرضوخ لمطالبه وزيادة قيمة الإيجار.
واضح عبد الغفار شكر، الباحث بمركز البحوث العربية في القاهرة، أنه بعد صدور قانون المالك والمستأجر غاب دور الجمعيات الزراعية وزادت أسعار المستلزمات الزراعية كما ارتفعت إيجارات الأراضي الزراعية.
فلاحون خلف القضبان
وأصبح بنك التنمية يقرض الفلاحين على "حيازة الملك" فقط بفوائد عالية جداً واذا خسر المحصول عجز الفلاح عن السداد وبالتالي يكون مصيره السجن وأصبح المستفيد هم التجار وكبار الملاك الذين يقومون باستغلال صغار الفلاحين.
وأكد د. محمد السيد السعيد، مركز الأهرام للبحوث السياسية، أن التعديلات الدستورية هي تسريع لعملية التحول الرأسمالي في الريف ومع تطبيق قانون المالك والمستأجر انهار معدل الاستثمار من 30% إلى أقل من 15% خلال التسعينات وقلت فرص العمل.
كما أدى إلى قلة الدخل بعد الارتفاعات المتوالية للأسعار خاصة إيجارات الأرض الزراعية و تفاقم مشاكل الري ومياه الشرب النقية والصرف الصحي وتدهور الغذاء الأمن وظهور أنواع من البذور المعدلة ذات آثار سلبية على البيئة والصحة، بالإضافة إلى انهيار الجوانب الاجتماعية في الريف.
اختفاء طويل التيلة
ويجمع المراقبون أن الزراعات الإستراتيجية مهددة بالتدهور وخير دليل على ذلك قلة المساحات المزروعة بالقطن والقمح .
واختفاء القطن طويل التيلة يهدد الاقتصاد المصري برمته فكثيرا من الصناعات قائمة عليه مثل الغزل والنسيج والزيوت والصابون والقطن الطبي والأعلاف الحيوانية، وكانت إستراتيجية الدولة في الثمانينيات أن تزرع مليوني فدان، ثم انخفضت في عام 2007 إلى 500 ألف فدان وفي عام 2008 انخفضت المساحة إلى 300 ألف فدان.
أقدم حضارة في التاريخ أقامتها الزراعة
وفي المقابل، زاد استيراد الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة حيث بلغت، حتى إبريل الماضي مليونا و‏750‏ ألف قنطار وذلك لانخفاض أسعارها بصورة كبيرة مقارنة بالقطن المصري، كما أعلن ذلك المهندس عبدالعزيز عامر نائب رئيس اللجنة العامة لتجارة القطن بالداخل والسبب تراجع الدولة عن مساندة المنتجين وأصحاب المغازل ورفض زيادة الدعم إلى‏150‏ جنيها للقنطار علي الأقل نظير استخدام المحلي‏,‏ وقال إن ذلك يكلف الدولة‏300‏ مليون جنيه‏.
وما يصيب الفلاح بحسرة لا مثيل لها أنه وبرغم جهده طوال العام إلا أنه في الغالب لا يحصل على مقابل يغطي حتى تكاليف زراعته ويضطر لبيع المحاصيل بثمن بخس، وهو ما يحدث الآن لأصحاب أشجار المانجو بمحافظة الإسماعيلية، حيث وصل سعر كيلو المانجو إلى جنيه واحد.
كما روي أحد البائعين لـ"محيط" مأساة أحد المزارعين بمحافظة الجيزة وقت هبوط أسعار الطماطم بداية العام الحالي مما سبب صدمة لأحد المزارعين فقام إطلاق النار على نفسه ومات حسرة على محصوله الذي باعه بأقل من سعر التكلفة.
والآن لا نملك سوى عرض رسالة الفلاح الفصيح، الذي اشتكى للفرعون، حاكم مصر انذاك، ظلم أحد أصحاب المناصب له وأنصفه الحاكم ورد عليه حقه، أملا في إفاقة المسئولين عن الزراعة في مصر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإنصاف فلاحيها ومحاولة تحسين أوضاعهم المعيشية, وكان نص الرسالة:
"يا مدير البيت العظيم .. أقض على الظلم وأقم العدل وقدم كل ما هو خير وامح كل شر، حتى تكون كالشَبَع الذي يقضي على الجوع، أو كاللباس الذي يخفى العرىّ، أو كالسماء الصافية بعد سكون العاصفة الشديدة، أو كالنار التي تطهو الطعام، أو كالماء الذي يطفئ الغلة
".
--------------------------------------------------------------------------------------------