القلق يخيم على أجواء الذكرى الأولى لثورة ليبيا والأمن التونسي يفرق تظاهرة للسلفيين مناهضة للرئيس التونسي على خلفية تصريحاته بشأن الداعية وجدي غنيم

السبت، فبراير 18، 2012



تنتشر في طرابلس علامات تقول "ممنوع البنادق"، أكثر من تلك التي تحمل عبارة "ممنوع التدخين"، في إشارة تعكس أجواء التوتر التي تعيشها العاصمة الليبية، مع حلول الذكرى الأولى لانطلاق الثورة، التي أطاحت بنظام العقيد الراحل، معمر القذافي، والذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.هذه الصورة عبرت عنها المدونة خديجة تيري، قبل أيام من الاحتفالات التي عمت شوارع مختلف المدن الليبية الجمعة، حيث ذكرت أنها شاهدت "أشخاصاً مسلحين ببنادق وأسلحة مختلفة، بل ويلوحون لبعضهم بتلك الأسلحة، بسبب حجة سخيفة، تُدعى الخوف."وبعد عام على انطلاق الثورة الليبية، خرجت العديد من المنظمات الحقوقية بتحذيرات من انتشار الأسلحة بين الليبيين، كما رصدت العديد من حالات الخروج على القانون، والتي غالباً ما تمر دون عقاب.ففي تقرير لها بعنوان "المليشيات تهدد آمال ليبيا الجديدة"، حذرت منظمة العفو الدولية من أن الميليشيات المسلحة التي تعمل في أرجاء البلاد، ترتكب انتهاكات واسعة النطاق دون محاسبة، وهو ما يفاقم حالة انعدام الأمن ويعوق إعادة بناء مؤسسات الدولة.من ناحية اخرى خرج عشرات السلفيين التونسيين في تظاهرة من أمام جامع "الفتح" بوسط تونس العاصمة، للتنديد بتصريحات الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي التي وصف فيها السلفيين بـ"الجراثيم".ورفع المتظاهرون عديد الشعارات المناهضة للمرزوقي، منها "لا إله إلى الله والمرزوقي عدو الله".وقال شهود عيان أن قوات الأمن التونسية استخدمت القنابل المسيلة للدموع بكثافة لتفريق المتظاهرين، و منعهم من دخول شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة، مما اضطرهم إلى العودة نحو جامع "الفتح"، والتجمع داخله، فيماعززت قوات الأمن تواجدها بالمنطقة.وكان المرزوقي نعت في حوار تلفزيوني بُث ليل الخميس الداعية المصري وجدي غنيم بـ"الشاذ"، وقال إن تونس "لن تسمح لـ"الجراثيم" بأن تنبت.وخرج الرئيس التونسي منصف المرزوقي عن صمته اثر تداعيات دعوة الجمعيات السلفية التونسية للداعية المصري السلفي وجدي غنيم، في حوار بثه التلفزيون الرسمي ووصف الداعية المصري بـ"الشاذ" مشددا على أن تربة تونس لا مكان فيها لـ"الجراثيم".وقال المرزوقي في تعليق عن زيارة وجدي الى تونس ان هذا الرجل "شاذ" و "تجاوزه الزمن" ملاحظا ان "التربة الوسطية الموجودة في تونس لن تسمح لـ "الجراثيم" ان تنبت" فيها.غير أن المرزوقي أشار إلى أنه لا يستطيع منع وجدي غنيم من القدوم إلى تونس.وقلل المرزوقي من خطر المجموعات السلفية على تونس معتبرا إياه "خطرا هامشيا" وأكد أنه "ليس هناك تربة ينبت فيها السلفيون في تونس".وأثارت زيارة الداعية السلفي المصري وجدي غنيم إلى تونس وما تخللها من خطب وتصريحات موجة من الغضب والاستياء في صفوف الفقهاء ورجال الدين والسياسيين والإعلاميين على حد سواء.ولم تتردد الأوساط الدينية والسياسية ونشطاء المجتمع المدني في التحذير من أن الخطب التي ألقاها داعية ختان الفتيات بأنها "تبث الفتنة وتحرض على العنف وعلى انقسام الشعب التونسي في مثل هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها تونس".ورفعت كل المحامية بشرى بلحاج حميدة والمحامي كريم قطيب دعوى لدى القضاء ضد وجدي غنيم بتهمة التحريض على العنف والدعوة إلى رفع راية الجهاد المسلح والتهكم على النشيد الرسمي للبلاد التونسية.ووجه المحاميان مراسلات مكتوبة إلى كل من رئيس الجمهورية منصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر عبرا فيها عن "خطورة الوضع الذي تحدثه محاضرات غنيم".ويزور غنيم تونس بدعوة من مجموعات سلفية هي جمعية "بشائر الخير" وجمعية "أكاديمية دار الحديث" وجمعية الإيثار والدعوة الإسلامية".وفيما اصطف "العامة" من التونسيين وخاصة من الشباب السلفي المحدود التعليم وكذلك العاطلين وراء الداعية غنيم تجندت النخب الدينية والعلمانية وتصدت لنشاطه في أكثر من مدينة.ونفذ مواطنون ونشطاء سياسيون وقفة احتجاجية أمام مسجد مدينة سوسة الساحية ورفعوا لا فتات تندد بفتاوي غنيم "مثل لا لختان البنات" و"لا لتطبيق الحدود".وتكرر المشهد بأكثر حدة أمام الجامع الكبير بمدينة المهدية حيث تجمهر المواطنون نعتوا الداعية المصري بـ "المتطرف" و"الإرهابي" و طالبوه بـ "الرحيل عن أرض الزيتونة" لكن الأمور تطورت إلى نوع من الاحتقان والعنف حين رد غنيم بنفسه على المواطنين على المحتجين الذين رددوا النشيد الوطني بالتكبير وكأنه في ساحة حرب أو عزو وكال التهم لكل التونسيين بالكفر والإلحاد مواجها إياهم بـ الفتح الإسلامي لتونس".وحال سماعه النشيد الوطني قال غنيم بالحرف الواح "علمانيين.. علمانيين.. قل موتوا بغيضكم... الله أكبر.. لا إله إلا الله رغم أنف الكافرين.. رغم أنف الحاقدين.. تونس إسلامية.. لا لا للعلمانية.. الإسلام قادم قادم" وأضاف "الجهاد قادم إن شاء الله".وبدا المشهد وكأن الداعية الذي يعيش في ماليزيا بعد أن طرته مصر يقود غزوة لفتح تونس المسلمة متجاهلا أنه في ضيافة بلد فتحها الصحابي الجليل عقبة بن نافع منذ سنة 50 هجري وشعبها متشبث بقيم الإسلام المستنير والمعتدل.وألقت الأوساط الدينية والسياسية والإعلامية باللائمة عن الحكومة حتى أن صحيفة "المغرب" التي يديرها السياسي والإعلامي عمر صحابو تساءلت "أين هي الحكومة التونسية؟ أين هم أعضاء المجلس التأسيسي؟ أين هو رئيس الجمهورية؟ وما هي مواقفهم حيال هذا الانزلاق الذي وصل إلى حد إهانة كرامة التونسيين وتكفيرهم وإهانة النشيد الوطني وقيام أطراف خارجية دخيلة بدور الوصاية في تحديد هوية تونس؟".ودعا غنيم في تصريح لإذاعة "الزيتونة للقرآن الكريم" إلى "تطبيق الشريعة وحدودها في المجتمع التونسي".لكن الشيخ عبد الفتاح مورو وهو واحد من أبرز القيادات الإسلامية المستنيرة شن هجوما عنيفا على الداعية غنيم في حوار بثته التلفزة الوطنية التونسية شدد فيه على أنه حين يقول الداعية المصري "الديمقراطية حرام، نقول له يا سيدي الكريم الديمقراطية ليست ضد الإسلام لأنها ليست دينا، الديمقراطية هي آلية للتعامل مع الواقع".وأضاف"هؤلاء يأتون بفتاوى نحتوها من خلال المجتمع الذي يعيشون فيه ونقل الفتوى من مجتمع إلى مجتمع مغاير يعيش وضعا مغايرا هو خطا جسيم".وبخصوص فتوى ختان البنات فقد أكد مورور "أن هذه القضية مطروحة عند المصريين والسودانيين فقط، وفقهنا المالكي والحنفي لم يطرح هذه القضية ولم يتعرض لها وكأنها ليست قضية حتى يعتني بها ويبدو أن المناخ والعادات والتقاليد الموروثة من الفراعنة هي التي أثرت في ذلك". ولاحظ الشيخ مورو "لا دخل للإسلام في ختان البنات".وانتقد مفتي تونس الشيخ عثمان بطيخ زيارة وجدي غيم قائلا "كان من الواجب حسن اختيار من يفد علينا والتمييز بين العالم منهم والفقيه المشهود له بالعلم ورجاحة الرأي والاجتهاد الذي يراعي قضايا العصر وبين من يدعو بغير علم ولا معرفة بأصول التشريع ومقاصده".وقالت الناشطة آمنة منيف رئيسة حركة "كلنا تونس" إن الخطب التي ألقاها وجدي غنيم في مساجد تونس "تحرض على الكراهية والعداء بين مختلف الأديان" واستنكرت "تدخل المصري في شؤون المجتمع التونسي" مطالبة الحكومة بـ "تحييد المساجد عن الخطب السياسية".ومن جهتها دعت أحلام بلحاج رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات إلى محاسبة وجدي غنيم "محاسبة قانونية" ملاحظة أن "من غير المعقول أن نفتح أبواب مساجدنا إلى أشخاص يحرضون على الفتنة".ودعت بلحاج الدولة إلى أن "تتخذ الإجراءات اللازمة" مشيرة على أن الجمعية رفعت إلى جانب مجموعة من الجمعيات الأخرى برفع قضية ضد الجمعيات التي وجهت الدعوة إلى هذا الداعية وقضية أخرى ضد غنيم نفسه".