مطلوب دور خليجي فعَّال في العراق يصل إلى حيث التأثير السياسي والاقتصادي

السبت، مايو 01، 2010

عبد الجليل زيد المرهون

القبس:بعد الانتخابات النيابية في العراق، عاد الحديث عن الدور الخليجي المطلوب تفعيله في العملية السياسية العراقية.زار دول الخليج أخيرا عدد من الشخصيات العراقية، بعضهم تحدثوا عن ضرورة حضور خليجي في العراق، يتعدى الطابع الشكلي والرمزي، ويصل إلى حيث التأثير السياسي والاقتصادي، وربما الأمني في الساحة العراقية.وقد كانت تصريحات نائب رئيس الجمهورية، الدكتور طارق الهاشمي، الأكثر وضوحا في هذا الاتجاه. ولا ريب في ذلك كون منطقة الخليج تمثل للعراق عمقا قوميا، وامتدادا حيويا، على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.هناك الكثير مما يمكن قوله عن الدور الخليجي في العملية السياسية في العراق، والمدى الذي قد يصل إليه. لكن الأهم في الأمر هو التأكيد على ضرورة أن يكون الخليجيون حاضرين في بلاد الرافدين، بقدراتهم السياسية والاقتصادية، بما يعزز فرص استقرارها الأمني والاجتماعي. وهذا ما أكد عليه الهاشمي ورفاقه الذين زاروا المنطقة.علاقة تاريخ وجغرافياتختزن العلاقات الخليجية- العراقية قدرا كبيرا من إرهاصات التاريخ وإغراءاته على حد سواء. وهي قد اغتنت من واقع جغرافي، وبدت حبيسة له في الوقت ذاته، أو لنقل حبيسة لتشكله السياسي.منذ تأسيس الدولة الحديثة في العراق، في عشرينات القرن الماضي، راهن البعض على علاقات خليجية- عراقية، تشكل رافدا للاستقرار، ومقوما للتنمية والتكامل الإقليمي. واليوم، تتمثل أولى الخطوات على هذا الطريق في توافر الإرادة الثابتة، والإدراك بتاريخية المرحلة وخطورتها. ومن ثم السعي إلى تحييد الخصوصيات الأيديولوجية عن مسار التعاون الإقليمي، وتجنب الجموح الأيديولوجي، الذي من شأنه أن يعصف بهذا المسار، على النحو الذي شهده النصف الثاني من القرن العشرين. ويتجسد الشرط الثالث في ضرورة النظر إلى العلاقات الخليجية العراقية باعتبارها مصلحة مشتركة، بقدر كونها استجابة لمعطيات الجغرافيا والتاريخ. والحذر من تأطير هذه العلاقات بأطر سكونية، عتيقة وجامدة، فنحن في عصر يتطلب من الجميع التحلي بأكبر قدر من الدينامية، وتأكيد النظرة الواقعية للأمور، وبضرورة الخروج من عالم المثاليات، والتأويل الأيديولوجي الملتبس.الدعم يعزز الاستقرارتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ذات جدارة حافز مهم جدا للعراق يساعد على بسط سلطة الدولة وتأكيد دورها الحصري في فرض النظام والقانون. ومن دون ذلك، فإن المجموعات غير النظامية هي من تكسب الناس، لأنها تقدم لهم ما تعجز الدولة عن تقديمه، أو تتقاعس عنه. وبالرغم من صعوبة الأحوال الأمنية السائدة، فإن تفاهمات يمكن بلورتها لهذا الغرض. وقد خطى الكويتيون بعض الخطوات في هذا الاتجاه. المطلوب هو جهد خليجي عام، ينهض به بصفة أساسية القطاع الخاص. إذ لماذا تستثمر المؤسسات الخليجية عشرات المليارات من الدولارات في شمال آسيا، ولا تستثمر في منطقة ترتبط بأمننا الإقليمي ارتباطا وثيقا؟ ولماذا لا تبادر دول الخليج لربط البصرة بدول الداخل الخليجي عبر خط للسكك الحديدية؟ إن للمشروع مزايا استراتيجية عميقة الأثر في مستقبل هذه المنطقة، إذ سوف نشهد حينها صورة أخرى للتفاعلات الاجتماعية والاقتصادية بين العراق والخليج. كذلك، على دول المنطقة مساعدة العراق في بناء أجهزة أمنية عالية التدريب، وتزويده بأجهزة للكشف عن المتفجرات، حديثة ومتطورة تفوق كفاءة ما هو متاح حاليا لدى الأجهزة الأمنية العراقية. وأيضا دعم العراق في بناء منظومة استطلاع الكتروني، أرضي وجوي، لضبط أمن الحدود وتسهيل مهام جمع المعلومات وتحليلها وإرسالها على نحو فوري إلى مراكز القيادة والسيطرة. ومتى وجدت مثل هذه المنظومة، فلن يكون ثمة معنى للحديث عن احتمال اختراق شاحنة مفخخة لحاجز هنا أو هناك.أمن المنطقة من العراقفي الوقت ذاته، على دول الخليج دعم جهود العراق الرامية إلى التغلب على مظاهر التطرف والجنوح الطائفي، الذي يعصف بفرص الاستقرار والتعايش الأهلي، ويضع المنطقة برمتها على كف عفريت.إن بعض المجموعات المتطرفة قد استخدمت الطائفية كقوة نسف للوحدة الوطنية، التي راهن العراقيون عليها، كسبيل لإعادة بناء وطنهم. ولا ريب أن العنف الطائفي، وخطر تمدده، يُمثل تحديا إقليميا متعاظما، كما يعبر في الوقت ذاته عن نمط جديد من المعضلات، التي باتت تواجه السياسات المحلية والدولية في المنطقة.علينا أن نؤكد على نحو دائم بأن كل الأفراد والمجموعات بحاجة إلى الانفتاح على الآخر، على نحو يعزز فرص العيش المشترك، ويرفد مقومات الوحدة الوطنية. وحذار من تضخم الأنا، فذلك يعني الانزلاق إلى عصبونية مدمرة. ولا بد من التأكيد أيضا على حقيقة أن حس المواطنة، المدرك والسليم، يمثل دعامة أساسية للأمن الوطني، وضرورة لا غنى عنها لاستقرار الدول. وهو بهذا المعنى شكل من أشكال الالتزام بالمصلحة العامة، بقدر كونه عنصرا أصيلا في بناء الأمن الإقليمي المنشود.إن معطيات الأمن في شمال الخليج لا يمكن فصلها عن تلك السائدة في جنوبه، والاستقرار الإقليمي لا يمكن تجزئته. وعندما تغدو هذه المنطقة متآلفة ومتعاضدة، فإنها تقترب من تحقيق وعد الأمن والاستقرار لأبنائها. والمنظور الاجتماعي التعاضدي للأمن يعد أقل تكلفة وأكثر جدوى من أي خيار آخر. وتجارب العالم تؤكد ذلك. ومتى مضينا في هذا الطريق، فإننا نكون قد جعلنا من التحدي فرصة، وانتقلنا من كوابيس الصراعات والحروب إلى حيث الأمل في الأمن والسلام.
======================================