هل يعود التضخم «شبحاً مخيفاً» في دول الخليج؟

السبت، مايو 01، 2010

د. محمد السقا*

القبس:أصدر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي تقرير ابريل عن «آفاق الاقتصاد العالمي World Economic Outlook»، ومن المعلوم أن التقرير يصاحبه تحديث قاعدة البيانات التي ارتكزت عليها السيناريوهات التي يقوم عليها التقرير، وتشتمل قاعدة البيانات على سلاسل زمنية مهمة جدا، بصفة خاصة فيما يتعلق بتوقعات الصندوق حول الأداء الاقتصادي الكلي لدول العالم ومجموعاته المختلفة خلال الفترة القادمة. قاعدة بيانات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الحالية توفر توقعات حول أداء الاقتصاد العالمي حتى عام 2015. سوف أتناول هذه التوقعات الأساسية للصندوق حول الأداء الاقتصادي الكلي واحدا تلو الآخر وسوف أبدأ بتوقعات الصندوق حول آفاق التضخم في دول مجلس التعاون، باعتبار أن التضخم من المؤشرات التي تهم رجل الشارع، حيث تؤثر في القوة الشرائية لدخله وقدرته على الإنفاق، خصوصا في ظل ميل الدخول إلى عدم الارتفاع بصورة موازية لتطورات معدل التضخم. دول مجلس التعاون هي، من الناحية التقليدية، دول لا تعاني من التضخم المرتفع بشكل عام، حيث كان معدل التضخم خلال الفترة من 1980 حتى 2008 إما منخفضا أو متوسطا. في بداية فترة الثمانينات شهدت دول مجلس التعاون معدلات تضخم متوسطة نتيجة آثار أسعار النفط المرتفعة التي سادت في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية، قبل أن تنخفض معدلات الارتفاع في أسعار النفط الخام وتميل بالتالي معدلات التضخم نحو الانخفاض من حوالي %7 في المتوسط في عام 1980 إلى %1.7 في المتوسط في عام 1983، ثم مالت الأسعار نحو الانخفاض في عامي 1984 و1985، وتحول معدل التضخم إلى انكماش سعري، نتيجة انخفاض أسعار النفط بشكل كبير خلال هذه الفترة. وعلى مدى الفترة من 1985 حتى عام 2004 تقريبا تمتعت دول مجلس التعاون بمعدلات تضخم منخفضة للغاية، حيث بلغ معدل التضخم في المتوسط %1.8 وهو ما يعد من أقل معدلات التضخم في العالم. بدءا من عام 2004 شهدت اقتصادات دول مجلس التعاون سخونة نسبية نتيجة للزيادات غير المسبوقة في الإيرادات النفطية وخطط الإنفاق على المشروعات الضخمة في دول المجلس، فضلا عن زيادة مستويات الدخول، كل هذا كان يصب في زيادة الإنفاق الكلي داخليا ليمارس ضغوطا على المستوى العام للأسعار، كذلك مالت الأسعار العالمية للسلع في هذه الفترة نحو الارتفاع، بصفة خاصة السلع الغذائية، نتيجة للظروف المناخية وتزايد الاتجاه نحو استخدام الغذاء في توليد غاز الايثانون كبديل للبنزين المرتفع الثمن، فضلا عن ارتفاع تكاليف الانتاج الزراعي نتيجة ارتفاع أسعار النفط.أدت كل هذه العوامل الى نوعين من الضغوط التضخمية في دول المجلس: ضغوط تضخمية محلية ومستوردة. بلغ معدل التضخم في دول مجلس التعاون في المتوسط خلال الفترة من 2004 الى 2008 حوالي %7، الا أنه بحلول عام 2008، بدا من الواضح ان التضخم في دول مجلس التعاون قد خرج عن نطاق سيطرة صانع السياسة الاقتصادية الكلية، وشهدت دول المجلس معدلات تضخم بلغت في المتوسط 10.5 %، غير أن هذا المعدل المتوسط يخفي فروقا واضحة بين دول المجلس، فقد بلغ معدل التضخم في قطر 15.5 %، تليها عمان بمعدل تضخم 12.6 %، ثم المملكة العربية السعودية بمعدل تضخم 11.54 % والكويت والامارات بمعدل تضخم 10.% تقريبا، أما أقل معدلات التضخم فهو ما تتمتع به البحرين بشكل عام. اذن معدل التضخم في 2008 كان قد كسر حاجز الرقمين في معظم دول المجلس، وبات من الواضح ان الاقليم يستعد للدخول في حلقة تضخمية مدفوعة بضغوط الطلب الناجم عن تزايد الايرادات النفطية والدخول من جانب، وضغوط التكلفة الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج من جانب آخر. غير أن نشوب الأزمة المالية العالمية، وتحولها الى أزمة اقتصادية عالمية وما ترتب عليها من كساد عالمي وميل الأسعار نحو الانخفاض في كل دول العالم، وبالطبع منها دول مجلس التعاون، قد ساعد على تخفيف الضغوط التضخمية في دول المجلس. تراجع معدلات التضخم في دول المجلس هو اذن أحد الآثار الايجابية للأزمة المالية العالمية على تلك الدول. هذا طبعا لا يعني أن الأزمة كانت خيرا كلها على دول المجلس، بالعكس لقد أحدثت آثارا عميقة، ليس هنا مجال الحديث عنها. للأسف السيناريو الذي يعرضه الصندوق في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي «عدد ابريل 2010» يتسم بعدم الواقعية الى حد بعيد، حيث أنه يتوقع مستويات منخفضة للغاية لمعدلات التضخم في دول المجلس خلال الفترة القادمة. حيث يتوقع الصندوق أن تصل معدلات التضخم في المتوسط خلال الفترة من 2010-2015 الى حوالي 3.3 %، وهو معدل أراه منخفضا جدا بالنظر الى ما هو متوقع أن يحدث في دول المجلس عقب تعافي العالم وخروجه من الأزمة. أتوقع عند خروج العالم من الكساد الحالي، أن تصعد أسعار النفط الى مستوياتها قبل الأزمة مرة أخرى، ومن ثم حدوث نمو هائل في الايرادات النفطية لدول المجلس ومن ثم عودة ضغوط التضخم مدفوعة بعوامل الطلب المحلية من جانب والتضخم المستورد من جانب آخر. اذا صدقت توقعاتي، فان عام 2011 سوف يشهد عودة التضخم عند مستوياته المتوسطة مرة أخرى في دول مجلس التعاون.* أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت*
======================================