الحمراء العمانية تستلقي بأحضان الطبيعة

الاثنين، مارس 01، 2010


الحمراء العمانية تستلقي بأحضان الطبيعة


تزخر الحمراء بشواهد تاريخية ومواقع سياحية، تاريخ ينطلق من بين قلاعها وجوامعها وحاراتها التراثية يحكي أروع ما سجله أبناؤها من تاريخها الحافل بالأمجاد والبطولات، أوديتها تتقاسم واحة إبداعية في جريانها مشكلة مقطوعة موسيقية عبر خرير مياهها، قراها جنان من جنان الطبيعة العمانية وخاصة قرية مسفاة العبريين، تلك الخميلة التي يطل عليها جبل الشمس، ذلك الجبل الذي يعلو بطبيعته وبطقسه الجميل ومحطاته الخضراء، فهو بحق أعلى قمة عمانية.
الحمراء إحدى ولايات المنطقة الداخلية، تقع في الجزء الشمالي الغربي من الجبل الأخضر، تجاورها ولاية عبرى من جهة الغرب ونزوى شرقاً والرستاق شمالاً وولاية بهلا إلى الجنوب.
تقف الجبال لحراسة الولاية وتعلو علو السحاب مشكلة لوحة جمالية بديعة، وولاية الحمراء تشتهر بجبل شمس، ذلك الجبل الذي يمتاز ببرودة الطقس في الصيف وطبيعة متعددة، اتخذت ولاية الحمراء قمة جبل شمس شعاراً لها لما يشكله هذا الجبل من مميزات سياحية متعددة.
تعلو المعالم التراثية في ولاية الحمراء بتاريخ عريق ممتد إلى آلاف السنين، فتراث الحمراء سجل زاخر بالعديد من القلاع والآثار التي تؤكد مكانة الحمراء وارتباطها بتاريخ ممتد إلى أعماق التاريخ، ومن هذه المعالم: بيت الصفا، وهو من المعالم الأثرية الممتدة لأكثر من 400 عام، ويقف بيت الصفا شامخاً في قلب مدينة الحمراء.
ثم حصاة بن صلط، وهي صخرة قديمة عليها نقوش وكتابات ترجع إلى بداية التاريخ، هذه الصخرة تكاد تعيد إلى الأذهان حجر رشيد الذي اكتشف في مصر وتم فك رمزوه. وحصاة بن صلط تقع في منطقة من أجمل المناطق السياحية بولاية الحمراء، ثم حصن الفرس، ويقع في منطقة غول، وهو الحصن الذي كان آخر منفى للفرس بعد أن حاصرهم مالك بن فهم، ثم ضك الفرس، وهو طريق جبلي ممهد لمرور الانسان عن طريق الحصى والصاروج.
ثم قلعة روغان، والتي برزت من بين الصخور وامتدت قامتها مثل برج المراقبة الضخم بأسوارها الضخمة وأبوابها المنيعة اختار الأهالي لها موقعاً استراتيجياً فريدا يطل على منازل المسفاة ويشرف في نفس الوقت على كل الطرق التي تؤدي إليها.
ثم جامع العارض والذي يعتبر من أقدم جوامع المنطقة الداخلية، بناه العلامة أبو سعيد الكدمي في القرن الرابع الهجري ويتكون من 62 اسطوانة (عمود) ، وهو ما يشير الى حجم الكثافة البشرية في تلك البقعة آنذاك، ويعد من الآثار التراثية الهامة.
ثم نجد جامع القرية، وهو من أقدم جوامع المنطقة ويقع شرقي مدينة الحمراء، وهو من الأماكن الأثرية الاسلامية، ومن الحصون بالحمراء حصن الغنيمة وحصن مال الداخل وحصن مالك بن فهم وحصن الخور.
ومن الأبراج بولاية الحمراء برج طوى البلاد وبرج طوى القت وبرج القتلي وبرج الصباح وبرج البطحاء وبرج الحصن وبرج الحمام وبرج الغربي وبرج الشريعة وبرج مصلى العيد وبرج المقبرة وبرج الولجة وبرج الحديث وبرج شوين وبرج شعاشع وبرج حصن الخور وبرج الكبكبة وبرج نقيفة وبرج الحارة وبرج العين وبرج الخطوة وبرج العرقوب وبرج ذات خيل.
ويمارس أهالي الحمراء العديد من الصناعات والحرف التقليدية كالزراعة والتجارة والرعي وصناعات الغزل والنسيج والسعفيات.
أما أهم الفنون التقليدية التي تشتهر بها ولاية الحمراء، فهي الرزحة والعازي والتغرود والطارق والونة وفن الميدان.
الحمراء ولاية ساحرة بطبيعتها التي تحفها الأودية، مشكلة مقطوعة مائية تتدفق عبر بساتينها الخضراء ومن هذه الأودية: وادي غول الذي يقع في بطنه مجموعة من القرى. ووادي النخير الذي يقع في قرية النخر الجبلية.
وتقع قرية النخر في أقصى الغرب من ولاية الحمراء، وتعتبر النخر منطقة جذب سياحي، وينبع من النخر الوادي المعروف بوادي النخر الذي يغذي ولاية الحمراء، ويعتبر أحد الروافد المائية الرئيسية لفلجها، والنخر تتمتع بجوها المنعش الجميل، فهواؤها بارد في وقت تشتد فيه حرارة الصيف.
ثم وادي غول الذي يقع على مجراه السد المعروف بنفس الاسم، ويقع على مسافة حوالي 8 كيلومترات شمال غرب بلدة الحمراء، ومن الأودية بالحراء وادي شعما ووادي الملح ووادي المدعام.
تعد الأفلاج من أهم المصادر المائية التي تعتمد عليها الزراعة في ولاية الحمراء، لكن مساحة واسعة من الأراضي الزراعية تعتمد على الآبار خاصة في منطقة وادي الخور، ومن الأفلاج في ولاية الحمراء فلج الحمراء.
ومن المعالم السياحية بولاية الحمراء جبل شمس، تلك القمة التي تعلو بطبيعتها وبطقسها الجميل، فجبل شمس أعلى قمة عمانية، سفوحه كثيرة وقممه عديدة، وكلما ركب السائح سفحاً يأخذه إلى سفح آخر إلى أن يصل إلى الأعلى البعيد حيث الارتفاع الشاهق.
والحياة في هذه القمة هي الأخرى تختلف عن التي نعهدها، فالطقس بارد في الصيف وجليدي في الشتاء، وكل السفوح مشحونة بأشجار البوت والنمت والعلعلان والعتم والزيتون، ويستوطن الانسان العماني هناك في القمة الجليدية حيث تستريح قرية كرب والمرات، إنها جنائن معلقة في سفح شاهق يحتضن السحب ويشرف في مناطحة السماء الأولى.
ومحطات خضراء تدعو للنزهة والاستراحة على مدار العام، غير أن غالبية تلك الأشجار البرية لا تقيظ إلا في فصل الصيف مع النخيل ولا ينضج ثمرها إلا بنضوج الرطب كأشجار البوت والنمت والعتم التي تثمر رطبها اللذيذ أو تطرح ثمرها الأكثر لذة من العنب، هذه الأشجار البرية تنمو وحدها ويغذيها المطر والندى، وتنمو أكثر في الجبال الباردة كالجبل الأخضر، ولا يتدخل الانسان في تلقيح أزهارها.
وبالجبل شيدت استراحة تضم عددا من الغرف وتدار بأيد عمانية، ويمكن أن يقضي الزائر أوقاتا جميلة يستمتع فيها بلحظات مشاهدة الطبيعة الخلابة بهذا الجبل، ويشاهد التكوينات الصخرية والأودية العميقة والسدود المائية والتجمعات السكانية.
وعلى مقربة من قمته العالية يضم الجبل هوة عميقة تسمى (شرفة النخر) تعتبر من الأماكن الجميلة التي يقصدها السائح، وهي مقطع عميق في قلب الصخر، ويمكن الإطلال عليها من أعلى المنطقة التي تشرف رأسيا على موقع الهوة وتظهر أسفلها مقاطع من الصخور التي صاغتها عوامل التعرية في أشكال مختلفة وعلى عمق سحيق جداً، وتمثل الهوة إثراء هائلاً لإشباع ما يبحث الزائر في المجال الواسع لمفهوم الجغرافية والتكوينات الجيولوجية.
ويأتي كهف (الهوتة) معلما سياحياً متميزا في ولاية الحمراء يكشف عن كنز ثمين من كنوز الطبيعة، لذلك نفذت وزارة السياحة مشروعاً يمكن الزائر من دخول الكهف الذي يبلغ طوله 4 كيلومترات والوقوف على أحواض الماء التي بداخله ومشاهدة الأسماك فيها والمجسمات الكلسية التي تكونت بداخله وتشكلت منذ ملايين السنين.
وتضمن المشروع بناء مركز للزوار مجهز بالخدمات وتجهيز قطار كهربائي تبلغ سعته 63 مقعداً يقوم بحمل الزوار من محطته إلى مدخل الكهف قاطعا مسافة 655 متراً حيث يمر عبر نفق طوله 641 متراً، وتم تجميل مدخل الكهف وإضاءة تجويفه بالانارة، ويقع الكهف جهة الشرق من ولاية الحمراء.
ومن الأماكن السياحية بالحمراء مسفاة العبريين تلك الخميلة التي يطل من خلالها جبل شمس المهيب بجسده العريض الذي كان يعرف بجبل (قنة). وقد أطلق عليه جبل شمس لأنه أول من يستقبل نور الشمس وآخر ما يودعها عندما تغيب، وقرب القمة البعيدة تلتف دوائر السحب وتموجاتها كأنها في نوبات حراسة جعلت الشمس تبدو من خلالها وكأنها تضحك، وتصحبك الشمس طوال الرحلة حتى ظهرت أول تباشير المسافة في مصاطب الزراعات الداكنة الخضراء على باطن الجبل.
من هنا تبدأ المسافة، أهلها يقيمون بيوتهم في أعلى الجبل ومزارعهم في السفح، وقد تراصت بيوتهم المنمنمة على شكل مصاطب ترتفع وتنخفض حسبما يسمح الجبل ويمنح لتعطي أجمل مشهد يمكن أن يشاهده زائر ولاية الحمراء.
ومن يشاهد مسفاة العبريين عن بعد يعتقد أن الجبل ينبت بيوتا وقلاعاً بجانب الأشجار والزهور، فالناس الذين اقتلعوا الصخور وأقاموا المدائن وفتتوا الحجارة وجعلوا منها تربة خصبة لإنبات مزارعهم وروضوا الماء وجعلوه يجري في ممرات بشكل حلزوني لتسقي الأرض والبشر.
فالانسان هنا يفرض رؤيته ويحرر اتجاهه ثم يقوم بالتنفيذ، ولم تخل هذه الرؤية الفطرية أبداً من مراعاة أساليب الذوق والفن وقراءة ألوان البيئة، ولعل المذاق هو ما جعل مئات السائحين من مختلف دول العالم يفدون إلى المسفاة بولاية الحمراء يبقون بين أهلها ويشاهدون عظمة إنجازاتهم ساعات طويلة ثم يذهبون ويعودون مرة أخرى، هذه الحمراء تراث ناصع وتاريخ يشهد بتاريخ قلاعها وأبراجها وحصونها وطبيعتها المتعددة التي تزخر بها هذه الولاية العريقة.\ميدل ايست اونلاين مسقط: د. حسين شحادة
============================================================