صك الأضحية.. تيسير في الخير

السبت، نوفمبر 21، 2009


صك الأضحية.. تيسير في الخير

قبل ثلاث أعوام أطلق بنك الطعام المصري فكرة " صك الأضحية " والتي يحصل بموجبها المضحي على صك بقيمة الأضحية من مصارف تجارية يتعامل معها البنك، نظير قيامه بشراء الأضحية له وذبحها وتوزيعها على الفقراء، والآن أصبحت الفكرة منتشرة وتحرص أكثر من جمعية خيرية على تطبيقها بهدف تحقيق أقصى استفادة ممكنة من لحوم أضاحي العيد ، بتوصيلها إلى الفئات الأكثر عوزا.
وإذا كان الإقبال على تنفيذها من قبل الجمعيات خير مؤشر على نجاحها، إلا أن المواطنين الذين استطلعت " إسلام أون لاين " أرائهم إختلفوا حولها، في حين شجعها الخبراء وأكدوا أنها تتسق مع مبادئ الفكر الاقتصادي الإسلامي، وطالبوا بتعميمها باعتبارها خطوة متقدمة نحو نقل النسك الديني من شكله الفردي إلى صورة مؤسسية تحقق استفادة أكبر وعائدا أفضل في التصدي لمشكلاتنا الحياتية.
حلقة وصل
وعن الهدف من الفكرة يقول نيازي سلام رئيس مجلس إدارة بنك الطعام إنها جاءت لتكون بمثابة حلقة وصل منظمة ومضمونة بين من يرغب في التضحية وبين الفقراء والمحتاجين في كل مكان على أرض مصر لتعظيم الاستفادة من لحوم الأضاحي وتوزيعها على أكبر عدد من المستحقين الفعليين لها، وفي نفس الوقت للتيسير على من يرغب في التضحية لكن ظروفه تحول دون ذلك؛ فعلى سبيل المثال هناك قطاع كبير من المواطنين يريد أن يضحي لكنه لا يفعل ذلك لعدم معرفته بالذبح وسنته وكيفيته أو لانشغاله بأمور أخرى أو إقامته خارج البلاد أو لعدم معرفته بأماكن المستحقين للحوم الأضحية وقد يسكن في مكان يصعب عليه الذبح به.
واستطرد قائلا: لذلك فقد جاء صك الأضحية لتسهيل فكرة التضحية عليهم؛ فما على المضحي إلا الذهاب للبنك ليدفع قيمة الصك ليقوم البنك بتحويلها إلى بنك الطعام الذي يقوم بدوره بشراء الأضاحي نيابة عن المضحي، وبالاتفاق مع شركة كبيرة متخصصة في ذبح وتجهيز اللحوم بمحافظة الإسماعيلية إحدى محافظات منطقة قناة السويس يتم ذبح الأضحية طبقا للشريعة الإسلامية، ويقوم بنك الطعام بتوزيعها على الجمعيات الخيرية بالقاهرة والمحافظات لتقوم بدورها بتوزيعها على الفقراء...
وتابع: وقد ابتكرنا طريقتين للتوزيع وذلك ضمانا لتحقيق أقصى استفادة. الأولى وهي توزيع اللحوم في أيام العيد مباشرة ليستخدمها الفقراء في تلك الفترة. أما الطريقة الثانية فهي توزيع تلك اللحوم على مدار العام في الشنطة الشهرية التي يقوم البنك بتوزيعها والتي تحتوي على خضراوات ومواد غذائية أخرى، وهذا الأمر جائز شرعا، كما أكدت لنا دار الإفتاء المصرية.
ويضيف سلام: تيسيرًا على راغبي التضحية فقد خصصنا رقم تليفون بالتعاون مع المصرف المتحد لهذا الغرض وهو 19200 ويرد على المضحي "كول سنتر" يشرح له الفكرة بتفاصيلها ويدله على أقرب فرع للبنك يمكن أن يتبرع من خلاله، وكذلك يمكن للمضحي أن يقدم التبرع مباشرة لبنك الطعام.
من الطابع الفردي للمؤسسي
الفكرة والتي تعد الأولى من نوعها في مصر امتازت باتساقها مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي وما يرنو إليه العلماء في هذا المجال؛ فهي تنقل النسك الدينية من طابعها الفردي إلى طابع مؤسسي يضمن تعظيم الفائدة منها وتحقيق أقصى استفادة اقتصادية ممكنة، وهو ما أشار إليه د. فياض عبد المنعم أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعه الأزهر الذي أبدى تأييده الكامل للفكرة وقال إنها تنظم سنة التضحية وتنقلها إلى إطار مؤسسي يتوافق مع روح العصر، وتوجد حلول فعالة لأبرز المشكلات الاقتصادية لدينا وهي مشكلة الفقر.
كما تحقق عدة أهداف مهمة؛ فهي تخفض تكاليف شراء الخرفان؛ لأننا نشتري بقوة مؤسسية، وبالتالي أمامنا فرصة للتفاوض حول الأسعار والحصول على تخفيض كبير، وكذلك فإن وجود البنك المتحد كشريك يقوي الوضع الاقتصادي لصفقة الشراء؛ فالبنك لديه متخصصون اقتصاديون قادرون على تقييم الأمور اقتصاديا بطرق علمية.
هذا فضلا عن أن المشروع يضمن الحفاظ على البيئة من حولنا ويراعي الضوابط الصحية التي يجب توافرها في اللحوم ويحقق الرغبة في التضحية لكافة المستويات؛ فمن يريد أن يضحي وليس معه سوى 850 جنيها فسوف يتمكن من ذلك، ومن يريد أن يزيد في الأضحية كأن يضحي مثلا بما قيمته 10 آلاف جنيه فسيمكن وبسهولة ويسر؛ فأهم ميزة في المؤسسية أنها تستطيع تلبية احتياجات كافة الفئات على اختلاف قدراتهم المالية، وهذا أمر صعب في حالة الإطار الفردي.
لكن لكي نضمن نجاح الفكرة واستمرارها يؤكد د.فياض على توافر عدة ضوابط:
أولا: ضمان الاستمرارية، وهذا مبدأ إسلامي لقول السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان عمله ديمة"؛ أي دائم. ولقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"، وآفة أي عمل في مجتمعنا هي الانقطاع وعدم الاستمرار.
ثانيا: تقييم التجربة بدقة لتلافي سلبياتها وتعظيم إيجابيتها.
ثالثا: إنشاء مركز متخصص للمعلومات عن الفقراء والمحتاجين الحقيقيين؛ ففكرة الصدقات في الإسلام قائمة على توافر معلومات حقيقية عن الفقراء؛ لذلك فنحن في الإسلام نأخذ بمحلية الزكاة؛ لأن كل مجتمع أو حي أو قرية تعرف فقراءها بدقة ويعرف أهلها المتعففين وأدعياء الفقر.
مقبولة شرعا
وبصرف النظر عن أن هناك بعض العادات الاجتماعية التي تحكم عملية التضحية فإن جوهر الفكرة ديني بحت؛ فالمضحي ينظر إليها نظرة شرعية دينية؛ فهو يريد أن يتقرب بأضحيته إلى المولى عز وجل؛ لذلك دارت العديد من التساؤلات والاستفسارات الدينية حول شرعية دفع أموال للغير كي يضحي له وحكم الدين في ذلك، لكن رأي الدين في هذا الأمر جاء واضحا وحاسما على لسان د. علي معيد الأستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الذي أكد على أن الأضحية سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يباشر المضحي أضحيته بنفسه، لكن في حالة عدم القدرة والمعرفة فيجوز له أن ينيب غيره ولا ضرر في ذلك على الإطلاق.
ويضيف: أعتقد أن هناك كثيرين يعزفون عن الأضحية بسبب وجود معوقات متعلقة بعملية الذبح؛ فقد لا يجدون مكانا أو يستصعب عليهم الذبح، والفكرة الجديدة تيسر ذلك، وهذا أمر مطلوب.
اتفاق رغم الاختلاف
وبين مؤيد ومعارض جاءت آراء المواطنين حول الفكرة ولكل مبرراته؛ فمحمد الضرغامي يرى أن الفكرة جيدة للغاية، ويقول: أنا شخصيا وكثير مثلي ممن يقطنون المناطق الراقية لا يتمكنون من الذبح في الشارع كما يفعل معظم المصريين، وفي نفس الوقت لا أعرف جهة أو شخصا مضمونا أنيبه في هذه المهمة؛ لذلك كنت في كثير من الأحيان لا أضحي أو أضطر إلى إخراج الأموال في شكلها النقدي، وأعلم أن ذلك ليس من السنة في شيء؛ فالأموال لا تغني عن الأضحية.
ويتفق أحمد الغمري مع الرأي السابق، مشيرًا إلى نقطة أخرى، وهي أن بنك الطعام بحكم تعامله المباشر مع الفقراء يعرف أماكنهم جيدا ويعرف المستحقين منهم، وهذا أمر مطلوب؛ لأن ذلك يقلل من إهدار أموال الزكاة والصدقات ويوجها إلى مصارفها الشرعية حتى يتحقق الهدف المرجو منها.
أما المعترضون على الفكرة فلم يرفضوها كلية لكنهم يملكون مبررات تجعلهم أكثر تمسكا بذبح أضاحيهم بأنفسهم؛ فمحمد عبد الخالق يؤكد أنه يجب أن يشهد عملية الذبح بنفسه عملا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يطمئن من تنفيذه للقواعد الشرعية المتعلقة بعملية الذبح والتوزيع، ويدخل كذلك على أهله الفرحة والسرور ويعلم أطفاله الهدف من الذبيحة، باعتبار ذلك جزءا من العقيدة والتي هي أساس شخصية المسلم.
لكن الأمر لدى خالد مصطفى يختلف بعض الشيء؛ فهو من محافظة الدقهلية لكنه مقيم في القاهرة ويفضل شراء الذبيحة وذبحها في قريته ليوزعها هناك على فقراء القرية، على اعتبار أن الأقربين أولى بالمعروف، خاصة أن ذلك كما يقول عادة اعتاد عليها منذ سنوات ومن الصعب أن ينقطع عنها، ويؤكد أنه يخشى أن يؤدي شراء الأضاحي بالجملة في مشروع صك الأضحية إلى وجود خرفان مخالفة للواصفات التي وصفها الإسلام في الأضحية. اسلام اون لاين نت -
================================================