لماذا ينتحر الشعراء؟

السبت، نوفمبر 21، 2009



لماذا ينتحر الشعراء؟

التركيز على المسائل الجنسية يظهر بجلاء أكثر من الموت بحد ذاته لدى الشعراء الانتحاريين.


أول ما يتبادر لأذهاننا عندما نسمع أن شخصاً قد انتحر، هو السؤال لماذا؟ والسؤال يكبر حين يكون المعني شاعراً أو مبدعاً، بينما تتباين الأسباب الخاصة للناس إلى درجة كبيرة، فإننا كأطباء نفسيين نهتم بالعوامل العامة التي تقود إلى السلوك الانتحاري.
بعض الدلائل المشوقة عن ماهية هذه العوامل أتت من دراسة على الشعراء الذين يبدو أن لديهم ميلاً للانتحار.
تفحص العلماء ثلاثمائة قصيدة كتبها عشرون شاعراً مختلفاً، نصفهم أقدم في النهاية على الانتحار.
ثم جرت مقارنة الملامح اللغوية لهذه القصائد بتلك التي كتبها شعراء ليس لديهم نزوع انتحاري.
لقد حللت القصائد للنظر في ملامح لغوية محددة، من أجل البحث عن دليل على نموذجين تفسيريين معروفين للانتحار:
1- اليأس: وجهة النظر الأكثر تقليدية للانتحار هي أن الناس يدخلون في فترة ممتدة من القنوط والحزن والتي تقود إلى انكسار كامل في الأمل. وحالما يذهب الأمل، يغدو الانتحار إمكانية حقيقية.
إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فإنها توحي بأن الشعراء سيلجؤون إلى زيادة استخدام كلمات عن الموت في أشعارهم، وإلى المزيد من الإشارات للحالات الانفعالية السلبية كالغضب والحزن.
2- الانفكاك الاجتماعي: ثمة نموذج آخر للانتحار اقترحه عالم الاجتماع الفرنسي الشهير إميل دوركهايم.
فقد جادل دوركهايم بأن الناس يصبحون أكثر انتحارية لأنهم يصبحون أكثر استغراقاً بذواتهم، مبتعدون عن العلاقات الاجتماعية ومنسحبون من العالم الاجتماعي بوجه عام.
ويمكن للشهرة، بطريقة ما أن تسرع ذلك.
فالشعراء والممثلون، على سبيل المثال، يشجعون على التركيز على ذواتهم ويصبحون أكثر ابتعاداً عن الواقع الاجتماعي.
إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فإن على الشعراء الانتحاريين استخدام المزيد من الإشارات إلى الذات والقليل من الإشارات إلى التواصل مع الآخرين.
الشعر المتمحور حول الذات والجنس والموت
قدم تحليل القصائد بعض الإسناد المحدود لنظرية الانفكاك الاجتماعي.
فقد ظهر أن الشعراء الانتحاريين كانوا أكثر ميلاً لاستخدام صيغة الضمير المفرد (أنا، لي) من الشعراء غير الانتحاريين.
من ناحية أخرى لم يكن هناك إسناد لنظرية اليأس، إذ لم يكن لدى الشعراء الانتحاريين رجحاناً في استخدام كلمات الانفعال السلبية أو التحدث عن الموت أكثر مما لوحظ لدى الشعراء غير الانتحاريين.
ولكن البحث وجد أن الشعراء الانتحاريين كانوا أكثر انشغالاً بالجنس من الشعراء غير الانتحاريين.
في الواقع كان هناك دليل قوي على وجود تركيز على المسائل الجنسية أكثر من الموت بحد ذاته لدى الشعراء الانتحاريين.
لكن لهذه الدراسة تحديدات والمشكلة الأساسية كانت صغر حجم العينة، والتركيز فقط على شعراء الغرب، فقد تظهر الدراسة على شعرائنا نتائج مختلفة عن شعراء الغرب.
وهذا ليس ذنب الباحثين الذين أجروا هذه الدراسة، فالتقصير فينا نحن.
رغم هذه المحدوديات فإن هذه الدراسة خلاقة.
فهي تزودنا بطريقة جديدة لتقصي العوامل المتعلقة بالانتحار وكيف تتبدى في النص.
كما أنها تسلط الضوء على أن الانشغال بالذات والانسحاب من التماس الاجتماعي قد تكون عناصر مركزية في السلوك الانتحاري.
فقد تكون الشهرة سبباً في الابتعاد عن الناس - بعكس ما يتصور البعض - حيث تصبح العلاقات عابرة وموجهة بالمصلحة وليست علاقات حقيقية ذات أبعاد إنسانية وعاطفية.
فلا نستغرب أن يكون الشخص الذي تسلط عليه الأضواء أكثر الناس عزلة.ميدل ايست اونلاين بقلم: د.تيسير حسون
=============================================