حماده عوضين يقدم قراءة بالدليل والبرهان حول قيام تسميم العالم العربي بالحدود ؟

الثلاثاء، أكتوبر 30، 2012



 
قبل الخوض فى عرض فيليب كابوتو – صاحب رواية " عابرات " ويعمل حاليا على كتابه " السفر : أطول شارع " - بعرض لكتاب " أنتوني شديد : بيت من حجر " السيرة الذاتية للصحفي بجريدة نيويورك تايمز بالشرق الأوسط ، وتوفي في 16 فبراير 2013 عقب اصابته بإزمة ربو خلال ركوبه لحصان في سوريا وهو يغطي الاحتجاجات السورية ، وذلك نتيجة تحسسه من الأحصنة .
لابد من التعرص إلى إشكالية الحدود حيث فقد كشفت دراسة لم تبرز في الوطن العربي إلى سطح الأحداث السياسية، ومتغيراتها الإقليمية والدولية إلا عندما أخذت الوحدات السياسية العربية: الولايات، أو المستعمرات والمحميات تناول استقلالها الوطني، نتيجة اتفاقيات مبرمة أو عن طريق الثورات الوطنية والقومية و الكفاح المسلح، وانشغلت هذه الدول الفتية في بناء مؤسساتها السياسية والدستورية، لتنطلق في مرحلة جديدة لتأكيد سيادتها الوطنية والإقليمية.
فالوطن العربي بمساحته الجغرافية المحددة من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي كان خاضعاً بشكل مباشر أو غير مباشر لسيطرة قوة خارجية اتخذت أشكالاً شتى، ولا سيما بعد سقوط بغداد وغياب العنصر العربي من قيادة الأمة الإسلامية. وخلال تلك الحقب، والعقود التي رزح فيها الوطن العربي لمشيئة هذه القوة الخارجية، فقد تقطعت أوصال وتجزأت أقاليمه واستقلت ولاياته ومدنه تبعاً لطبيعة الصراع الدائر والتنافس الذي ساد علاقات القوة الخارجية الطامعة بهذه الأرض الخصبة والمتميزة بموقعها الاستراتيجي الذي لا يمكن تجاهله.
ومن هنا فإن عملية التقطيع والتجزئة لم تتوقف طالما أن هناك قوة خارجية تتحكم بقواعد اللعبة الدولية، وتزايد الأطماع الاستعمارية ومخططاتها الاستراتيجية، فارضة هيمنتها وبالقوة العسكرية، على كل هذه الأوطان بتشكيلاتها الاجتماعية والسياسية ونظمها السياسية التي شكلت في ظروف غير طبيعية لم يكن همها غير أمنها والحفاظ على أنظمة سلطوية غيبت المسار الديمقراطي عن ممارستها ومنهجها.
فهذه الأوضاع التي عاشتها الأمة العربية ومنذ مطلع القرن العشرين لم تكن أقل شراسة وتفنيتاً لما جرى في القرون و العقود الماضية، لا بل أمضى منها حيث أن تجزئة الأمة وتكريس انقساماتها أضحت من الأولويات الاستراتيجية للقوى الاستعمارية ابتداء من اتفاقيات سايكس-بيكو ووعد بلفور، إلى انكار الحقوق المشروعة للأمة في بناء دولتها العربية كما تم الاتفاق عليه في مراسلات حسين-مكماهون. وانتهاءً بترسيم حدود لهذه الدويلات الوليدة على وفق صيغ أعدت سلفاً بين الدول الاستعمارية نفسها لتحديد ممتلكاتها واجهاض أية محاولة قومية عربية تعيد للأمة مجدها ووحدتها. إذ لم تكن الحرب العالمية الأولى أن تضغ أوزارها حتى وضعت الأمة العربية على طاولة الدول المنتصرة لتقطع حسب مصالحها وبالشكل الذي يضمن لها استمرار هيمنتها والتحكم بثروتها، وتغتصب فلسطين لينشأ عليها كياناً سياسياً وعسكرياً هدفه حماية التجزئة وتكريسها وتفرض اتفاقيات الحماية على الإمارات والمشايخ وتخطط حدودها وفقاً لأهميتها الاستراتيجية وثرواتها النفطية. ويتم توسيع هذه "المحمية" على حساب "المحمية" الأخرى، وتقوية هذه الإمارة أو تعزيز نفوذ هذا الشيخ على حساب الإمارة الأخرى، وضد الشيخ الذي أبدى قليلاً من التململ من تدخلات المقيم السياسي البريطاني وهكذا جزأة الأرض الواحدة إلى دول ودويلات على حساب دول أخرى قائمة، حتى إن مسألة استقرار وتثبيت الحدود بين الوحدات السياسية العربية ولا سيما بعد الاستقلال، أضحت أمراً مستحيلاً ومدخلاً جدياً لظاهرة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ونفقا لاندلاع صراعات سياسية حادة أفضت وكشي طبيعي وضمن مسار الأحداث، وتشابكها إلى حروب طاحنة أهدرت الطاقات وبددت الموارد، حيث أن المستفيد الأول والأخير من كل ذلك هي القوة الأجنبية التي خرجت من الباب لتعود مرة أخرى من النافذة وبهيمنة أقوى من السابقة، مستغلة حالة الضعف والتطاحن لتؤكد حضورها العسكري والأمني وبالشكل الذي حقق كل مفردات خططها الاستراتيجية، ولا سيما التحكم بمصادر الطاقة إنتاجاً وتسويقاً وسعراً، لا بل أكثر من ذلك هيمنتها على سلطة القرار السياسي العربي، وإضعاف وتهميش مركزية وقدرة نظامه الإقليمي المتجسد في جامعة الدول العربية، ن اهيك عن فشل كل خطط التنمية التي غاب عنها النهج الديمقراطي، وجعل الدول العربية تدور في فلك التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية للقوى الأجنبية.
وإذا كانت إشكالية الحدود في المغرب العربي وبين مصر والسودان لم تكن بذلك التقيد والحدة نتيجة لبعض الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية التي طرحت نفسها عند تكوين هذه الدول، فإن منطقة الخليج العربي تعد من أكثر المناطق حساسية وخطوره والتي شهدت تكالبا وتنافسا استعمارياً وذلك لموقعها الاستراتيجي وثرواتها الحيوية التي شكلت عصب الحياة الاقتصادية الدولية وسوقاً مفتوحاً وشره لتجارة الأسلحة من خلال تدوير البترو دولار، ناهيك عن طبيعة تكويناتها الاجتماعية السياسية الدينية والاقتصادية، شكلت عناصر جذب وانحراء لهذا التنافس الدولي، الذي اتخذ في العقود الأخيرة تنافساً حاداً الأمر الذي حتم خروج قوى وإمبراطوريات وتراجعها إلى الخلف، لتخلي حلبة الصراع لقوى أخرى جديدة فرضت هيمنتها ةجبروتها على سلطة القرار الدولي، بكل ما تملكه من إمكانيات عسكرية ومادية وتكنولوجية، منطلقة من نظريات أمن قومية ذات طابع كوني شامل.
وفي الواقع إن هدف هذه الدراسة ينصب في تناول هذه الإشكالية المعقدة والمتداخلة تداعياتها الخارجية والداخلية، في الوقت الذي تجمع فيه أو تربط بين الموروث التاريخي بكل ثقله، والواقع الراهن بكل تجلياته وأحداثه، ناظرة للمستقبل لعلها ترسي على وفق منهجها في التحليل التاريخي-السياسي، تحليل المضمون السياس للخطاب السياسي العربي بعض الآليات التي من شأنها فض النزاعات، وحل المشاكل وفق صيع وطرق تجنب الأمة مزيداً من التشرذم والتناحر، وتحفظ للشعوب كرامتها وتجعل من أرض هذه الأمة أرضاً معطاء لأبنائها وأجيالها القادمة، لا ساحة حرب ومعسكراً للجيوش والنهب الخارجي. وإن هذه الدراسة سوف تحدد نفسها فقط بتناول خلافات الحدود العربية-العربية بدون تناول الخلافات الحدودية الأخرى التي تتنازع فيها بعض الدول العربية مع دول الجوار الجغرافي.
وبالعودة إلى عرض فيليب كابوتو –يبدأ العرض بتخيل صورة قائدي القوافل المعممين والمرتدين للسراويل الفضفاضة ، وهم يستريحون بجانب الابل على جانب البحر الأبيض المتوسط ، موضحا أن هذه الصورة التي تبرز الحنين للشرق الأوسط هي الصورة التي دائما ما يتخيلها وهو يقرأ كتاب أنتوني شديد " بيت من حجر " .
فقد قضى توني عمره لاستعادة منزل جده في بلدة مرجعيون بلبنان ، فهو أبن لوالد من أصل لبناني ، وهو يكتب عن ذلك في أسلوب حزين مليء بالسخرية والغضب والضحك والرثاء .
يحاول شديد أن يستعيد نفسه خلال صفحات الكتاب فهو يحاول تأهيل روحه التي تفاجأت بصراعات المنطقة في الشرق الأوسط ، والتي جاءت وهو غير مستوعب لها فلم يعد صغيرا أو متزوجا ، كما لم تكن أبنته ليلى بجانبه ، ولذا فهو يحاول أن يستعيدها في منزل الأجداد واستعادة الماضي .
توفي شديد الشهر الماضي عن عمر 43 عاما في مهمة بسوريا ، وقد فاز أنتوني بجائزة بوليتزر .
يحكي أيضا في مذكراته عن ماضي أسرته في لبنان حيث تم تشريدهم بعد انهيار الدولة العثمانية ، ومن ثم هاجر من تم من الأسرة إلى أمريكا في نهاية الحرب العالمية الاولى .
ويوضح أنه خلال تغطيته للاحداث من الحرب الدائرة بينها وبين حزب الله عام 2006 في جنوب لبنان ، ومن هنا جاء الإلهام بإعادة التأهيل عندما وجد صاروخ غير منفجر في منزل جده ، وحينها أحس أن البيت يعني له الكثير وهو ما يتضح من قوله عن بيت جده " أردت له البقاء على قيد الحياة " .
وظلت الفكرة تلح في عقله حتى عاد بعد عام ، عندما كان في اجازة من صحيفته ، عاد إلى مرجعيون يحمل جروح نفسية وجسدية من الحرب ، فقد تم إطلاق الرصاص عليه عام 2002 من قبل قناص إسرائيلي في رام الله ، عاد وهو يحمل في رأسه بعض الخطط المعمارية الغير الواضحة بخصوص منزل الجد .
لم تكن الفكرة هي إعادة تأهيل منزل قديم ، بل كانت تعني من وجهة نظره الخاصة ، زراعة روح وامل جديد في الشرق الأوسط ، واستحضار لحضارة الدولة العثمانية التي امتدت لثلاث قارات متعددة الجنسيات والثقافات ، الدولة العثمانية التي تعني له الكرامة والتاريخ العريق والتقاليد الكريمة .
وهو يحاول استعادة ماضي الجد البعيد الذي كسب ثروة صغيرة من تجارة الحبوب الغذائية ، وبنى فيلا صغيرة في بلدة مرجعيون ، ولكن لسوء الحظ تزامن ذلك مع انهيار الدولة العثمانية ، وقيام المستعمرات الجديدة التي تبنيها كل من بريطانيا وفرنسا لترسيم الحدود مصطنعة دولا من خلال وضع حواجز فاصلة بينها ، فأصبح الشرق الأوسط مسموما بالقوميات تمزقه الحروب الطائفية وثورات التمرد .
ويوضح أنه بعد انهيار زواجه شعر بالوحدة وفقدان المأوى ، فبدأ يشعر بالحاجة إلى الوطن ، وهو ما يقوله " إذا كنت قد فقدت نفسك ، فإن المجتمع هو كل شيء ، الوطن هو كل شيء " .
وقد واجهه بعض العقبات من أجل إعادة بناء بيت جده ، منها بأنه واحد من العديد من الورثة وبالتالي فلا يحق له قانونيا اتخاذ قرار بإعادة البناء ، ولذا ذهب البعض أنه مجنون بالماضي البعيد .
ورغم هذه العقبات والتي زاد عليها احتمالية الحرب بين إسرائيل ولبنان القائمة بصفة مستمرة ، يمضي أنتوني في مشروعه وينتهي منه بعد عام واحد فقط فيقول " لقد تحول المنزل المهجور بسبب الحرب إلى مكان ناضح ويحظى بالسلام
ينهي الكاتب عرضه باحساسه بالعار والضيق لعدم امتداد حياة أنتوني شديد ليشهد ما لقته مذكراته بعد طباعتها من رد فعل الأخرين عليها لروعة تجربته ونجاحه في استعادة نفسه .
المقال الأساسى بهذا الرابط http://elbldbaladk.blogspot.com/2012/10/blog-post_27.html