ظاهرة التخويف من الإسلام في الربيع العربي!..الخوف المرضي وأثره الواقعي..والخوف والتخويف

الجمعة، فبراير 17، 2012

نبيل شبيب: كلمة "إسلاموفوبيا" المنقولة عن اللغات الأجنبية هكذا بلفظها اللاتيني مكتوبا بحروف عربية على عادة التعريب التغريبي المنتشرة، تنطوي على معنى أنّها ظاهرة مرضية، فهو خوف مرضي من الإسلام، لا يوجد ما يسوّغه منطقيا، ولا يقتصر على حالات انفرادية، بل عمّ وانتشر، فكان أشبه بالوباء، مع فارق أساسي، أنّ الوباء ينتشر "رغما" عن الإنسان الذي يسعى لمكافحته، فإن لم يتراجع يضاعف الإنسان السوي جهوده ويبتكر المزيد من وسائل المكافحة.أما الخوف المرضي من الإسلام، فلم يكن مجرّد خوف تلقائي لأسباب ما، بل كان يُصنع صنعا، أي أصبح ناتجَ عمليةِ تخويف، ليُستخدم أداة من أجل تحقيق أغراض محددة، وهنا وجدت هذه "الأداة" من يركّز عليها استغلالا لها لتحقيق أغراضه، فإن رصد ضعفا ذاتيا في مفعول الظاهرة، بذل الجهد بنفسه لزيادة مفعولها، أي لمضاعفة حدّة الجانب المرضي فيها، وهو يزعم أنّه يشكو منها ويريد مكافحتها. وهذا ممّا نشر تعبير "الفزاعة" لوصف تعامل كثير من الجهات لا سيما الحكومات الاستبدادية، مع القوى الدولية، عبر التحذير من أنّ إسقاط الاستبداد القائم يعني وصول "الإسلاميين" إلى السلطة. والسؤال: هل أبقى ربيع الثورات العربي شيئا من ذلك، رغم أنه لم يبلغ مداه بعد؟..شهدت العقود الماضية كيف أصبح الغرب ساحة مفتوحة لمن هبّ ودبّ في التعامل مع ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام، وصحيح أن جزءا من هذه الظاهرة ناتج عن عوامل تاريخية واجتماعية ومعرفية متوارثة، وأنّ جزءا آخر ناتج عن مفعول أحداث معاصرة، ولكن أصبح قسط كبير منها يصنع عمدا.إنّ الخوف من الإسلام وما يتصل به، إذا كان على مستوى العامّة، يمكن تفسيره بنقص جرعة المعرفة لديهم عنه، أو انحراف الأسس المعرفية التي يبنون عليها، وهذا نتيجة تراكم إرث ثقافي طويل من حقبة العصور الوسطى الأوروبية ثم حقبة ترسيخ العلمانية بعد عصر التنوير والحداثة، وما يصنعه ذلك الإرث الكبير حتى الآن في مناهج التعليم والتوجيه والإعلام والفكر والأدب والفن.ولكن عند التأمّل في موقع هذه الظاهرة على صعيد النخبة في الآونة الأخيرة، بما في ذلك النخب السياسية صانعة القرار، لا يمكن القبول بهذا التفسير وحده، بل يجب البحث عن الدوافع من وراء التركيز على معلومة دون أخرى، ثم اتخاذ القرار تبعا لتراكم السلبيّ من تلك المعلومات المنتقاة.ليس هذا الحديث إذن حديثا نظريا عن أمر يدور النقاش حوله في الكتب والمحاضرات ومراكز البحث، بل هو الحديث عن مسلسل المواقف والتصريحات والإجراءات العملية التي تمسّ بصورة مباشرة التعامل مع الإسلام والمسلمين.لقد عمد المسؤولون الغربيون في مواقع اتخاذ القرار ومن يعتمدون عليهم في البحث والاستشارة وجمع المعلومات إلى البحث عن شواهد لتعزيز حكم مسبق أكثر من البحث عن الشواهد للتوصل إلى حكم صحيح. وصحيح أنّهم كانوا يكرّرون مع كلّ خطوة يخطونها أنّهم يميزون بين الإسلام دينا وعامة المسلمين الراغبين في السلام والتعايش، وبين فريق من المسلمين يلجأ إلى العنف غير المشروع أو يدعو إليه "مثلما هو الحال في سائر الفئات الدينية أو القوميات والانتماءات الأخرى".ولكنّ الصحيح أيضا أنّ مقارنة هذه الأقوال مع الإجراءات التي كانوا يقرّرونها، تكشف عن أنّ التعميم هو الأصل لديهم وليس الاستثناء، كالاحتياطات الأمنية المبالغ فيها في منح تأشيرات السفر، أو ابتكار الجديد من وسائل إثبات الشخصية على جواز السفر والهوية، أو تخصيص قاعدة معلومات عن الأشخاص لدى أجهزة الأمن، أو تبادل المعلومات بين تلك الأجهزة فيما يتعلّق بقضايا "الإرهاب"، أو إباحة ما لا يباح عادة من إطالة فترات الاعتقال والترحيل عن البلد المعني دون قرار قضائي، وما شابه ذلك، إلى درجة اقتراح رسمي بحظر حمل الهاتف اليدوي أو استخدام الشبكة العالمية، على أساس "الشبهة" بوجود صلة ما بالإرهاب، وليس على أساس حكم قضائي وإثبات قطعي، مع ملاحظة أنّ هذه "الشبهة" باتت مركّزة على المسلمين تخصيصا. في الآونة الأخيرة زاد على ما سبق ظهور كتابات إعلامية وكتب، تساهم في "التخويف" بصياغة موجّهة إلى العامة مع محاولة إعطائها خلفية "بحث علمي" لمجرّد كثرة الاستشهادات فيها، وهذا أسلوب يعتمد على الجهل العام بالإسلام، فلا يكاد القارئ العادي من عامة الغربيين غير المسلمين يملك القدرة على التمييز بين الحق والباطل في تلك الكتابات، ناهيك عن إمكانية كشفه عمّا لا تذكره عمدا مع وجود ضرورة ذكره من زاوية الأمانة العلمية. ومضى ذلك إلى درجة التشكيك في محاولات المسلمين وحتى المنصفين من غير المسلمين، لإيجاد أرضية سليمة للتعايش والاندماج. هنا يندرج مثلا الاتهام العام بأن المسلمين يقولون فيما بينهم وراء جدران مغلقة نقيض ما يقولونه علنا، ويمكن تصوّر ما يعنيه ذلك في الحديث اليومي بين المسلم المقيم في الغرب وجاره غير المسلم في الحيّ أو المدرسة أو الجامعة أو مكان العمل.الواقع أنّ المعركة الجارية حول ظاهرة التخويف من الإسلام جرت بين فريقين، كلاهما أصوليّ، وكلاهما يمثل قلّة محدودة، ونسبة متدنية. ولكنّ ساحتها أو الميدان المتأثر بها، هي ساحة عموم المسلمين في الغرب، وغالبيتهم من أهل البلاد أصلا أو المولودين فيها، ومن المستوطنين فيها بصورة نهائية، وهذا ما يمكن تعميمه على التعامل مع المسلمين داخل البلدان الإسلامية ومع قضاياهم. لقد أسقط ربيع الثورات العربية قسطا كبيرا من أسباب نشر التخويف من الإسلام والإسلاميين، ومن مستقبل العلاقات بين البلدان الإسلامية والغربية، ولكنه لم يسقطها جميعا.لم يبدأ ذلك بثورة الشعب التونسي، فقد غلب آنذاك على التعليلات الغربية مفعول الإرث الفكري والسياسي فكان محورها يقول: هذه ثورة صنعها الشباب المتغرّب، الذي نقل التطلّع إلى الحرية عن الغرب.ومع انطلاقة الثورة الشعبية في مصر.. لم يعد يمكن الاحتفاظ بهذا التعليل، فمشاهد الجماهير الثائرة وغلبة ظهور الوجه الإسلامي السلمي الحضاري عليها، أطلق العنان لتساؤلات لا نهاية لها، بما في ذلك الاقتناع الواسع الانتشار القائل: إن تحقيق هدف إسقاط الاستبداد عبر الثورات السلمية الشعبية أسقط مفعول ما كان يوصف بالإرهاب، ونظرية حتمية استخدام العنف لإسقاطه.ومع انتقال مسار الربيع العربي إلى ليبيا واليمن وسوريا، انتقل صانع القرار الغربي إلى البحث عن قواعد جديدة للتعامل مع ما أصبح يراه رأي العين، ولا يعني ذلك التخلّي عن الثوابت من الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية، وحتى الفكرية والاجتماعية، ولكن يعني التعامل مع القوى الإسلامية التي بات وصولها إلى السلطة مسألة زمن فقط، وفي تلك الفترة توالت التصريحات القائلة برفع التحفظات عن التعامل مع حكومات تضمّ قوى إسلامية.رغم ذلك يمكن رصد أمرين أساسيين، أحدهما أن نتائج الانتخابات في تونس ومصر -وسواهما كالمغرب- تجاوزت جميع التوقعات لدى صانعي القرار ومراكز الفكر السياسي في الدول الغربية، والأمر الثاني أن صانع القرار الغربي ضاعف جهوده لدعم القوى الأخرى في المجتمعات الإسلامية، لتعزيز مواقعها في صناعة القرار بمختلف الوسائل، بما في ذلك الاعتماد على من بقي في السلطة أو قريبا منها داخل بلدان ثورات الربيع العربي.هنا ينبغي التوقف عند السؤال: هل سيقتصر صعود التيار الإسلامي في المجتمع والدولة في البلدان العربية، على الجماعات والأحزاب والتيارات التي عرفتها المنطقة في العقود الماضية، بغض النظر عن حجم تطوير سياساتها ومناهجها، أم ستظهر إلى جانبها صيغة أخرى للتيار الإسلامي انطلاقا من الجيل الذي أطلق عنان الثورة بمعزل عن توجيه ما بات يوصف بقوى المعارضة التقليدية؟.. وكيف ستكون معالم هذه الصيغة الجديدة، وما مدى تأثيرها على ظاهرة التخويف المرضي من الإسلام والاتجاه الإسلامي، وبالتالي التعامل الغربي معها؟..إن التغيير الذي أحدثه ربيع الثورات العربية هو بداية تغيير حضاري في جوهره، ومن جوانبه الحاسمة أن الطرح الإسلامي الجديد لا بد أن يكون حضاريا، وأن يكون تأثيره على المستوى العالمي بصبغة حضارية أيضا، ويبقى السؤال الأخطر في المرحلة الراهنة، هو عن احتمال أن تنشأ تحالفات جديدة بين قوى إسلامية "تقليدية" وبين قوى دولية، قد لا ترى لنفسها مصلحة في ظهور تيار إسلامي حضاري جديد، بينما يمكن القول إن المصلحة الأكبر للقوى الإسلامية التقليدية، هو أن تتحوّل هي نفسها إلى ذلك التيار من خلال استيعاب القوى الشعبية الناهضة من خلال الثورات العربية الجارية، والقادمة.. ولعل هذا ما يمكن وصفه بالمهمة التاريخية في المرحلة القادمة."العرب اونلاين"