
لن يهدأ الجدل حول الصحفي السعودي حمزة كاشغري وتعليقاته التي اعتبرت "مسيئة" للنبي محمد في وقت قريب، خاصة وأن الشاب الذي تسلمته الرياض من ماليزيا لم يخضع للإجراءات القانونية بعد، ولكن كتاباته فتحت الباب بالتأكيد على قضايا خلافية تموج تحت السطح في المملكة، وتتعلق بقضايا الردة والحريات، وصولا إلى التنوع العرقي.فالتعليقات التي أدلى بها كاشغري في ذكرى مولد النبي محمد (الذي لا يحتفل به بشكل رسمي في السعودية باعتباره بدعة) مالت إلى تصور حديث يقوم على "الندية" مع النبي، قال فيه الصحفي، الذي يكتب بصحيفة البلاد: "في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبل يدك، سأصافحك مصافحة الند للند وأبتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب وليس أكثر."ولكن كاشغري سرعان ما أضاف قائلاً: "أحببت أشياء فيك وكرهت أشياء.. ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى."إلا أن لجنة الإفتاء السعودية التي حكمت بـ"ردة وكفر" هذه التعليقات، أضافت إليها "تغريدات" مثل: "إن قدرة الله على البقاء ستكون محدودة لولا وجود الحمقى،" وكل الآلهة الضخمة التي نعبدها، كل المخاوف العظيمة التي نرهبها.. ليست إلا من خلق عقولنا."وقد قام كاشغري غداة تفجر قضية تعليقاته على صفحته في "تويتر" مطلع فبراير/شباط الجاري بحذف معظمها، ما يجعل من الصعب التأكد من صحة ما نُسب إليه، ولكن الأكيد أنه سارع للاعتذار، قائلاً: والله لم أكتب ما كتبت إلا بدافع الحب للنبي الأكرم، ولكنني أخطأت وأتمنى أن يغفر الله خطأي وأن يسامحني كل من شعر بالإساءة."ومن المعروف أن قضية كاشغري ليست الأولى من نوعها في المملكة، إذ سبق إثارة الكثير من الجدل حول المفكر عبدالله القصيمي، والكاتب تركي الحمد، والإعلامي يحيى الأمير، الذي بدوره رد على سؤال حول قضية كاشغري وصله على صفحته بتويتر قائلاً: "نحن نعيش في ظل ثقافة تُحاصر الإبداع ومجتمع يعادي العقل.. ولكن البقاء للأجمل في النهاية."كما كتب وائل القاسم، زميل كاشغري في ذات الصحيفة، مقالاً بعنوان: "رفقاً رفقاً بأخيكم حمزة كاشغري" دافع فيه عن زميله، وقال إنه كان بحاجة لاختيار تعابير "أكثر أدباً،" في حديثه عن المقدسات، ولكنه أضاف: "يجب أن يعلم المتطرفون أن تعصبهم الأعمى وراديكاليتهم العنيفة المتكلَّفة عند تعاطيهم مع الآخرين، هي السبب الأول في إعراض كثير من الناس عن الإسلام، وفهمه بصورة مخالفة لحقيقته، إن صحَّت العبارة."أما الكاتبة السعودية بدرية البشر فاستنكرت الحملة على كاشغري دون إعطائه فرصة مراجعة نفسه، وقالت: "هل فكر أحدكم في أن يمنح شابا صغيرا كحمزة الفرصة ليراجع نفسه أم أن حفلة الثأر والانتقام والكراهية هي الحفلات المفضلة لديكم؟"وأبرزت مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الآراء الفقهية المهاجمة لكاشغري، غير أن رجل الدين السعودي البارز، سلمان العودة، أدلى بموقف مختلف عبر صفحته على تويتر، دعا فيها لقبول اعتذاره (كاشغري) ومسامحته.وقال العودة: " قرأت ما كتبه حمزة كاشغري تحت عنون (بيان حول كتاباتي) وتبرؤه مما صدر منه ودعوته ألا نعين الشيطان عليه، وما قاله أثلج صدري."وأشار العودة إلى أنه "يحس بالصدق" في عبارات كاشغري، واعتبر أنه "شاب في مقتبل عمره،" واصفاً ما قاله بالـ "عثرة،" ودعا إلى "تقديم النصح والدعاء له وتشجيعه على سلوك الطريق المستقيم."كما أشار الشيخ محمد المنجد في تعليقات على "تويتر" إلى ضرورة عدم الحكم بالردة على شخص بعينه، مضيفاً أن بيان لجنة الإفتاء "كفر القول وأما القائل فأحاله للقضاء."وأضاف أن ما قاله كاشغري أو كتبه أو أنكره أو أقر به، وصولاً إلى توبته، أمور ينظر بها القضاء "وليس محكمة تويتر!"ويرى البعض أن حالة كاشغري تمثل إحدى أوجه الصراع المستمر بين التيارين "التقليدي" و"الليبرالي" في السعودية، والذي يشهد مداً وجزراً بحسب التوجهات العامة للمملكة أو الشخصيات القوية فيها، إلى جانب تطور الظروف المحيطة بالبلاد.فبعد معارك غير موفقة في مجموعة ملفات تتعلق بالانتخابات والاختلاط وتطوير حقوق المرأة وتعزيز الحريات العامة، يبدو أن التيار الليبرالي فقد قدرته على المبادرة في السعودية، وربما يرتبط ذلك بتزايد دور المؤسسات الدينية والأمنية مؤخراً مع التبدلات التي حصلت على صعيد الأسرة الحاكمة، بعد وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز.ويبرز للقضية جوانب أخرى عديدة، وعلى رأسها تحديد التأصيل الديني لأسلوب التعامل مع كاشغري، فرغم أن لجنة الإفتاء السعودية أوضحت موقفها، غير أنها لم تشر إلى "توبة" الكاتب وما يترتب عليها.وقام البعض بعرض فتوى لأحد أبرز علماء المملكة، الشيخ الراحل عبدالله بن جبرين، الذي رد على سؤال في فتوى وردته حول حكم من سب النبي، فقال:" مسبة الله ومسبة نبيه تعتبر كفرا؛ بعض العلماء يقول، إنه ليس له توبة، وأنه يقتل، وأنه يخرج من الإسلام؛ ولكن لعله إذا كان ذلك عن تقليد أو عن جهل مركب أو نحو ذلك أنه إذا تاب توبة نصوحا واستغفر ربه، ورأينا آثار التوبة عليه، ورأينا منه الخوف والخشية، وكثرة الأعمال الصالحة، ومواظبته على الصلوات، وكثرة تلاوته للقرآن، وحزنه على ما مضى منه؛ أن ذلك يدرأ عنه العقوبة وأنها تقبل."من ناحية اخرى طالب تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس واتش" لحقوق الإنسان، اللجنة الأولمبية الدولية باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المملكة العربية السعودية، لوقف التمييز العنصري الذي تعاني منه النساء الرياضيات في السعودية.وجاء في التقرير الذي صدر الأربعاء، أن المملكة العربية السعودية لم ترسل أياً من الرياضيات للاشتراك بالاولمبياد، الأمر الذي يخالف تعاليم اللجنة الأولمبية الدولية، إلا أن الأخيرة لم تقدم أي مخالفات أو إنذارات للمملكة على الإطلاق.وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط لدى منظمة "هيومن رايتس واتش،" كريستوفر ويلكي: "المملكة العربية السعودية لا تسمح على الإطلاق بمشاركة الفتيات في ممارسة الرياضة."وحمل التقرير المكون من 51 صفحة، والذي نشر بعنوان "خطوات الشيطان، وحرمان النساء من حق ممارسة الرياضة في السعودية." العديد من الوثائق التي تؤكد الظلم والتمييز الذي تقوم به وزارة التعليم في المملكة، من خلال منع الأنشطة الرياضية في مدارس البنات، بالإضافة إلى تقديم كل الدعم للمنشآت الرياضية الخاصة بالرجال، دون أي التفات لأندية اللياقة النسائية، بالإضافة إلى عدم وجود أي نشاطات رياضية في اللجنة الأولمبية السعودية والمخصصة للنساء.وأشار التقرير إلى أن المملكة العربية السعودية هي إحدى ثلاث دول لم تبعث قط أي نساء للمشاركة في الأولمبياد، إلى جانب دولة قطر وبروناي، إلا أن الدولتين الأخريين شاركتا في محافل رياضية نسوية، ولا تحرمان الفتيات من المشاركة في الرياضات، وعلى العكس من ذلك حيث تشجع قطر النساء للدخول في المسابقات الرياضية وتعزم على إرسال متسابقات للتنافس على أولمبياد لندن 2012.