نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً عن المرحلة الاولى من الانتخابات المصرية وفوز الاسلاميين فيها بالغالبية حسب ما يتبين من النتائج الاولية. ويقول مراسل الصحيفة ديفيد كيركباتريك في التحقيق الذي شاركت في كتابته ايضاً مي الشيخ من القاهرة وايثان برونر من اسرائيل ان من المحتمل ان يقوى المد الاسلامي في الاشهر المقبلة. وهنا نص التحقيق:"ادعى الإسلاميون الاربعاء إنهم حققوا نصرا حاسما مع وضع النتائج الاولية اياهم على المسار للفوز بغالبية مسيطرة في أول انتخابات تجرى مهمة في صعود الحركة الدينية منذ بدء الربيع العربي.ويبدو أن الحزب الذي شكله الإخوان المسلمون (الحرية والعدالة) قد حصل على حوالي 40 في المائة من الاصوات، كما كان متوقعا. لكن المفاجأة الكبيرة كانت النتيجة القوية للمحافظين الإسلاميين، المعروفين بالسلفيين، الذين يعتبر كثير منهم التسلية البريئة آثمة، ويرفضون مشاركة المرأة في التصويت أو الحياة العامة.وقال محللون في وسائل الإعلام الحكومية إن النتائج الاولية تشير إلى أن الأحزاب السلفية يمكن ان تحصل على ما قد يصل الى ربع الأصوات، ما يعطي الاخوان والسلفيين معا حوالي 65 في المائة من مقاعد البرلمان.وجاء هذا النصر على حساب الأحزاب الليبرالية والناشطين الشباب الذين أطلقوا الثورة، ما عزز المخاوف من أنهم لن يكونوا قادرين على منافسة الإسلاميين الذين خرجوا من عهد مبارك منظمين، ولهم قاعدة راسخة. ولم تستطع الأحزاب الليبرالية، غير المنظمة جيدا والمنقسمة في ما بينها، التنافس مع الاسلاميين المنضبطين منذ عقود، والمعارضين الوحيدين لمبارك. وقال شادي الغزالي حرب، احد أهم الناشطين سياسيا في تلك الأحزاب: "لقد مسحونا" في الانتخابات.ومع أن تصويت هذا الاسبوع اقتصر على ثلث المحافظات المصرية، فقد اشتمل على أهم المعاقل الليبيرالية في مصر- مثل القاهرة، وبور سعيد وساحل البحر الأحمر- ما يشير إلى ان من المحتمل ان يقوى المد الإسلامي مع الانتقال إلى مناطق ريفية محافظة خلال الاشهر القادمة (الاسكندرية، وهي معقل للإسلاميين المحافظين، شاركت في التصويت).وتوسّع النتائج الأولية من النفوذ الإسلامي المتصاعد عبر المنطقة التي كان الحكام المستبدون المتحالفون مع الغرب يحظرون نشاط الإسلاميين فيها. وشكل الإسلاميون الآن حكومتي تونس والمغرب. وهم يتجهون نحو دور مهم في ليبيا ما بعد القذافي. لكن النصر في مصر - وهي أكبر دولة عربية والأكثر نفوذا، والحليفة لأميركا، والتي تعتبر أساسا للاستقرار الإقليمي - يمكن أن يزعزع الوضع الراسخ في العالم العربي.ويشعر القادة الإسلاميون الذين سجن الكثيرون منهم لسنوات عديدة بالابتهاج. وكتب عصام العريان، أحد قادة حزب الإخوان الجديد في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية: "نحن نلتزم بقوانين الديموقراطية، ونقبل إرادة الشعب. سيكون هناك فائزون وخاسرون. لكن الرابح الحقيقي- والوحيد- هو مصر". ولن تكون النتائج نهائية قبل كانون الثاني (يناير)، اي بعد جولتين انتخابيتين أخريين. وما يزال مدى صلاحيات البرلمان الجديد غير واضح، لأن مصر ما تزال تحت الحكم العسكري منذ الإطاحة بمبارك في شباط (فبراير) الماضي. لكن من المتوقع أن يلعب البرلمان دوراً في صياغة الدستور الجديد مع المجلس العسكري، رغم أن المجلس أعطى إشارات متناقضة حول ما يمكن أن يمنحه للبرلمان من الصلاحيات.وسيسرّع ظهور كتلة إسلامية قوية في البرلمان من المواجهة مع الجيش. واعلن قادة الإخوان يوم الأربعاء الماضي أنهم يتوقعون أن تسمي الكتلة الإسلامية في البرلمان رئيسا للوزراء يحل محل الحكومة المدنية التي تعمل حاليا بإمرة الجيش. وردا على ذلك، قال مسؤول رفيع الحكومة التي يشرف عليها المجلس العسكري أن الجنرالات الحاكمين سيحتفظون بالكلمة العليا. والصعود غير المتوقع لجماعة اسلامية متشددة ومحافظة على يمين الإخوان من المحتمل أن يحول مركز الثقل الثقافي والسياسي المصري نحو اليمين ايضا. وربما يشعر قادة حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين أنهم مضطرون للتنافس مع السلفيين من اجل اصوات الناخبين الإسلاميين، ولن يشعروا مع ذلك بالحاجة نفسها للتنازل لليبراليين من أجل تشكيل الحكومة.وقال مايكل وحيد حنا، وهو باحث مصري المولد في مؤسسة "سنتشري" في القاهرة، هذا الاسبوع :"هذا يعني أنه اذا اختار الإخوان ذلك، فسيكون البرلمان شأنا إسلاميا- نقاشا بين الليبراليين الإسلاميين والمعتدلين والمحافظين الإسلاميين. وهذا كل شيء".وستكون الأحزاب السلفية في غضون ذلك قادرة على استخدام نفوذها الانتخابي لتحقيق مطالبتها بنفوذ في التعيينات في الحكومة الجديدة. واضاف حنا: "لا أمانع في القول بأن هذا ليس أمرا عظيما. وليس اليوم سارّا بالنسبة إلي".وإذا صمدت الغالبية، فإن تداعياتها على المدى الطويل يصعب التكهن بها. وقد تعهد الإخوان باحترام الحريات الفردية، مع استخدام نفوذ الدولة لتوجيه الثقافة في مسار تقليدي. لكن السلفيين يتحدثون علنا عن قوانين تسمح بالانتقال إلى نظام المصارف الإسلامية، والحد من بيع الخمور، وإعداد مناهج خاصة للأولاد وأخرى للبنات في المدارس الحكومية، والرقابة على محتوى الفنون والتسلية.واقترح قادتهم أحيانا أن يقوم مجلس خاص من علماء الدين بتوجيه البرلمان أو المحاكم العليا لسنّ تشريعات تنسجم مع الشريعة الإسلامية. وتقضي القوانين الانتخابية المصرية بأن تدرج الأحزاب السلفية اسم امرأة واحدة على الأقل على قوائم الترشيح في كل منطقة، لكنهم وضعوا النساء في آخر قوائمهم ليتاكدوا من أنهن لن يفزن، وظهر بعضهم مع صور زهور بدلاً من وجوههن على الملصقات الانتخابية.وقد اندفع الشيخ حازم شومان، وهو شيخ سلفي مهم، في الآونة الاخيرة الى حفلة موسيقية عامة في حرم جامعة المنصورة محاولاً اقناع افراد الجمهور بترك الحفلة "الآثمة" والعودة الى بيوتهم. ودافع عن اعماله في برنامج مقابلات تلقزيوني، قائلاً انه شعر كانه طبيب يتدخل بصورة عاجلة لانقاذ مريض يموت بالسرطان.ومن المرجح ان تزيد الغالبية الجديدة من صعوبة الابقاء على شراكة الولايات المتحدة العسكرية والسياسية الوثيقة مع مصر ما بعد مبارك، مع ان العسكريين قالوا انهم يعتزمون الاحتفاظ باحتكار لجوانب كثيرة من الشؤون الخارجية. ولا يفوِت الزعماء السياسيون الاسلاميون اي فرصة لانتقاد سياسات واشنطن تجاه العراق، وافغانستان، واسرائيل والفلسطينيين. وبينما قال قادة الاخوان انهم ينوون الحفاظ على معاهدة كامب ديفيد للسلام الموقعة مع اسرائيل في 1979 ولكن ربما مع اعادة التفاوض عليها، فان الاحزاب السلفية كانت اقل تطميناً بكثير. وقد اقترح بعضهم عرض المعاهدة على استفتاء.واقر مسؤول اسرائيلي، متحدثاً بشرط عدم كشف اسمه، بوجود مشاعر قلق قائلاً: "من الواضح ان من الصعب اعتبار ذلك نبأ طيباً بالنسبة الى سرائيل". ومزح بعض افراد الاقلية المسيحية القبطية في مصر – نحو 10 في المائة من السكان – الاربعاء قائلين انهم سيستعدون لمغادرة البلاد. ويخشى كثيرون من الاقباط الذين كانوا في السابق تحت رعاية الرئيس مبارك من حديث الاسلاميين عن حماية طابع مصر الاسلامي. وكثيراً ما يكرر بعض قادة الاخوان انهم يؤمنون بان المواطنة حق متساو للجميع بغض النظر عن المذهب، بل ويهتفون في بعض المهرجانات الانتخابية بان الاقباط هم ايضاً "ابناء مصر". لكن السلفيين يعلنون اكثر ان المسيحيين يجب الا يخافوا من قوانين الشريعة الاسلامية لانها تقضي بحماية الاقليات الدينية، وهو تفسير يشعر مسيحيون كثيرون بانه يصنفهم على اساس انهم مواطنون من الدرجة الثانية.وصوت معظم الاقباط للكتلة الليبرالية المصرية التي كانت تتنافس على المرتبة الثانية مع السلفيين، كما ورد في بعض الانباء. وكان ذلك تحالفاً متنوع الاطراف ضد الاسلاميين، سيطر عليه الديموقراطيون الاشتراكيون، وهم حزب يساري له ارتباطات بقادة الثورة، والمصريون الاحرار وهم حزب مصادق لمصالح الاعمال اسسه ويروج له نجيب سويرس، وهو من اباطرة وسائل الاعلام والاتصالات.واوضحت النتائج ان بعض مرشحي وقوائم الحزب الحاكم سابقاً قد استردوا مقاعدهم في ما يبدو. ولم يتضح حجم الكتلة التي قد يشكلونها، ولكنهم قد يكونون متعاطفين مع اللحن المعهود عن "الاستقرار اوَلاً" الذي يردده المجلس العسكري".
تفاؤل صحفى من الأحرار
members
عدد زوار الموقع
القائمة البريدية
اختر لغتك المفضلة
صحيفة "نيويورك تايمز": المد الاسلامي في مصر سيقوى ورسائل طمأنة من الإخوان والسلفيين
الجمعة، ديسمبر 02، 2011