توابع ما قبل زلزال مصر...ذهب الدكتاتور وبقيت الدكتاتورية ممثلة بالنظام

الخميس، سبتمبر 01، 2011


بقلم: عادل الجوهري:إذا كان من المنطقي أن تأتي التوابع بعد الزلازل، فإن الحالة المصرية الراهنة تنبئ عن اختلاف استثنائي في طبيعة زلزالها الذي ما زال كامناً في عقل وروح وجسد شعبها، فالثورة التي أطاحت بمبارك لم تكن إلا إحدى التوابع التي جاءت قبل أوانها فسبقت الزلزال الأصلي لتقتلع رأس النظام فقط، ولأن بقية أجزاء جسده لم تزل باقية، وتلملم شتاتها، وتزداد تمسكاً بمواقعها، وتعمل جاهدة على تجاهل الحقيقة الوحيدة المتمثلة في رغبة الشعب في التخلص من النظام الفاسد، فإنه لا مفر من انطلاق الزلزال الذي سيقتلع كامل النظام من جذوره رغم المقاومة الداخلية والخارجية التي تقف في مواجهة هذا الهدف.لقد اكتشف الشعب المصري أنه كان محكوماً خلال الثلاثين عاماً الماضية بواسطة تشكيل إجرامي شديد الخطورة، تمكن من السيطرة على خيرات الوطن اعتماداً على القهر والبطش دونما وازع من ضمير أو خوف من عقاب، ولم تكتف تلك العصابة بالنهب المنظم والتجريف الممنهج لثروات مصر، بل عملت على نشر الأمراض التي فتكت بالشعب من خلال الأسمدة المسرطنة التي تغلغلت في غذائه فأصابته في مقتل، كما سعت جاهدة إلى إذلال وتجهيل الشعب وإفقاره وتقزيم دوره الوطني على كل الأصعدة، بما جعل من المواطن المصري شريداً في جميع بقاع الأرض بحثاً عن مكان يؤيه، بعد أن ضاق به وطنه الذي احتكرته حفنة من اللصوص ما زالت موجودة حتى الآن في أماكن مؤثرة في مفاصل الوطن الحساسة، ولم يمسسها بأس ولا ضرر، بل على العكس زادت قوتها، وأعادت إنتاج جبروتها المعتاد، وتعرقل أي اقتراب من التغيير الذي ينشده الشعب، وبكل أسف فإن ذلك يجري تحت السمع والبصر.خلاصة القول، فإن مصر الآن تتنازعها رغبتان لا ثالثة لهما:الأولى هي الرغبة الشعبية الجارفة في استئصال النظام الفاسد البائد بالكامل دون إبقاء أو إبطاء، تمهيداً لبناء نظام حديث طاهر على أساس من العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية بما يفتح مجالات العزة والكرامة أمام مصر التي تستحق بإمكانياتها البشرية والمادية أن تكون في أفضل منزلة يتيحها التاريخ.والرغبة الثانية هي رغبة حفنة اللصوص ومن يحميهم، الذين يعملون على الالتفاف على رغبات الشعب بالحفاظ على النظام القديم بكل فساده مع إجراء بعض التغييرات الشكلية المتمثلة في انتخابات برلمانية ورئاسية تأتي بمن يرغبون ليستمر النهج القديم ولكن في ثوب جديد، وما نراه الآن من مهاترات بين العديد من التيارات الدينية وغير الدينية عن شكل الدولة ونظامها القادم ما هو إلا وسيلة إلهاء عما يتم التخطيط له، والسير فيه بكل خبث ودهاء.ولأن الشعب المصري بعد 25 يناير غير الذي كان قبل ذلك التاريخ المجيد، فقد أدرك بإحساسه الثوري أن هناك خديعة يتعرض لها، ومؤامرة تتم ضده بليلٍ، وإن كان جزءاً من هذه المؤامرة يتمثل في التضييق على الناس في حياتهم وأمورهم المعيشية باستمرار الارتفاع الفاحش في أسعار جميع ما يحتاجون إليه، فإن ذلك وإن كان مؤثراً بشدة إلا أنه لن يُحقق للمتآمرين هدفهم، فالثورة تمكنت من روح المواطن وهو يعمل الآن بكل طاقاته على تحدي هيبة النظام السابق بشتى وسائله السلمية، كما أن هناك بعضاً من التصرفات الشعبية التي اضطرها التقاعس المتعمد من النظام عن حماية المواطن، إلى أن تتخطى سلمية الثورة بقتل أحد البلطجية في كفر الشيخ وبلطجي آخر في بولاق وقطع بعض أطراف أربعة غيره شاركوا في سرقة الشعب، ولمن لا يريدون القراءة الصحيحة لتلك الوقائع ما بعد الثورة، فإن بعض التصرفات الشعبية العنيفة الفردية قابلة للتكرار والانتشار إذا ما أبدى أفراد عصابة النظام السابق إصرارهم على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الثورة، وإذا أستمر التغاضي عن حرث أرض الوطن وتطهيرها وتمهيدها لبذر بذور الحرية الجديدة التي يأمل الشعب أن تثمر له ما كان يتمناه وينتظره من ثورته السلمية.المتابع لكل الأدبيات التي تم نشرها في مصر خلال السنوات الماضية يستطيع أن يرى أن رأس النظام السابق لم يستجب لمطالب الشعب رغم تكرارها، وأستمر في عناده إلى أن أطاحت به الثورة، وأخشى أن الموجودون حالياً يمسكون العصا من المنتصف وهم يسيرون على نفس النهج رويداً رويداً، لأنهم لا يملكون القوة التي كان يملكها مخلوعهم ولكنهم يعملون في صمت على إعادة إنتاج وسائل البطش بهمة ونشاط ملحوظين، وما محاصرة ميدان التحرير بجنود الأمن المركزي وعودتهم بأشكالهم المريبة المكروهة إلا إحدى الخطوات الأولية الرامية لإعادة بناء جهاز القهر من جديد.إن العقلية التي تدير القرارات الآن لا تجيد غير أسلوب المؤامرات، واستعمال العنف، والاعتماد على القوة، ولذلك فقد عملت على إحداث الفتن والانشقاقات بين شباب الثورة وغيرهم من القوى الوطنية لتفتيت قوتهم، وفي نفس الوقت تتحين الفرصة لتدخل في تجربة قمعية جديدة ضد الشعب بعد دراسة أسباب الفشل في مجابهة الثورة، علها تقضي عليها نهائياً لتعود الأمور إلى طبيعتها السابقة، وذلك بتشجيع وتعاون من أطراف إقليمية ودولية أفزعهم وقض مضاجعهم أن تنفض مصر عن نفسها غبار التبعية.والنتيجة الحتمية أن ثورة 25 يناير قد حققت للمواطن حريته ولم يعد بإمكان أحد أن يسلبها منه أو يعيده للعبودية مرة أخرى، ولكن بقيت رغبة الشعب في تحرير الوطن ممن يستعمرونه ويتحكمون في مصيره، ولن يكون ذلك ممكناً إلا باستئصال النظام السابق بالكامل، وإن كان ذلك سيصطدم بمقاومة من بيدهم تحقيق تلك الرغبة، فإن الزلزال المصري قادم لا محالة، فالنار ما زالت مستعرة تحت الرماد، وأن الثورة الكاسحة سوف تنطلق في أي لحظة لتحقق رغبة الشعب، وفي المرة القادمة لن تكرر الخطأ بالسماح لغيرها بقيادة وطنها.هل سيدرك من بيدهم الأمر تلك الحقيقة قبل فوات الأوان؟ أرجو ذلك وأتمناه، وسواءً عليهم أدركوا أو لم يدركوا، فالشعوب لم تعد تخشى الموت، وهي تنتصر دائماً، وسيكون مصير كل من يقف ضدها كمصير الديكتاتور الذي أعماه الغرور."ميدل ايست اونلاين"