بقلم: مصطفى نصر - فوجئنت بخبر منشور بعدد جريدة الأخبار (القاهرية) الصادر في 15 سبتمبر/أيلول 2010، بأن نقابة الأشراف أقامت دعوى ضد مسلسل "شيخ العرب همام"، تطالب فيها بوقف عرض المسلسل، ظننت أول الأمر أن الذي أقام الدعوى قريب لشيخ العرب همام، غاضب لأنهم صوروه في صورة تسيء إليه وإلى أسرته، كما حدث في مسلسلات كثيرة تناولت حياة النجوم مثل ليلى مراد، وسعاد حسني، وعبدالحليم حافظ، لكنني اكتشفت أن نقابة الأشراف معترضة لأن الكاتب والمخرج والممثلين قد جرؤا وسمحوا للممثل يحيي الفخراني (الذي يقوم بدور شيخ العرب همام) أن يقول لأهل بلده في الحلقة الثالثة عشر من المسلسل: فاعتبرت "نقابة الأشراف" أن ذلك خلط للحقائق دون سند من الواقع ودون تحقيق متعمق ودون دليل واحد على صحته. فكيف يجرؤون على الزج بمن هو ليس شريف، ويدعون أنه كذلك؟! قضية تشغل وقت القضاة المحملين بالأعباء والذين ينظرون في آلاف القضايا التي يبحث أصحابها عن حقوقهم، بعضهم موقوف عن العمل ولا يجد دخلاً ينفق منه، وبعضهم حقه ضائع سلبه ظالم .. إلخ. دهشت من هذا، فقد قرأت عن الكثيرين من السادة الحكام العرب الذين أدعوا أنهم من سلالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ومن نسل الإمام علي كرم الله وجهه، فقد كنت في العراق في أحد المؤتمرات الأدبية، وكانت الجرائد العراقية الثلاث (جريدة "الثورة" – لسان حال حزب البعث، وجريدة "القادسية" لسان حال الجيش العراقي، وجريدة "الجمهورية")؛ تقدم إلينا كل صباح في حجرات الفندق الذي نقيم فيه، وإذ بها كلها تتحدث عن احتفال سيقام اليوم في ذكرى مولد الإمام علي تحت رعاية حفيده صدام حسين، هكذا ولم يعترض أحد لا في العراق ولا في غيره. والملك فؤاد الذي كان لا يعرف العربية أدعوا بأنه من سلالة النبي محمد، وأرادوا أن يكون خليفة المسلمين بعد أن أنهى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية في تركيا، ومادام فؤاد من سلالة النبي فابنه فاروق لا بد أن يكون كذلك. وقرأت كثيرا عن الثورة العربية التي قادها الشريف حسين ضد الاحتلال العثماني في الحرب العالمية الأولى والتي انتهت بهزيمة العثمانيين، وانتصار الشريف حسين، وخروجه من أرض الحجاز، وتولى ابنه الصغير فيصل حكم العراق، وابنه الأوسط عبدالله حكم الأردن، باسم المملكة الأردنية الهاشمية، بما يعني أن الشريف حسين من الهاشميين. وقد ظلت البلاد الإسلامية منذ حكم النبي محمد وحكم الخلفاء الراشدين، ثم حكم الدولة الأموية، والعباسية تخضع لحكم القرشيين اعتماداً إلى حديث الرسول: "الأئمة من قريش"، وبعد حكم العباسيين كان لا بد أن يكون الحاكم من الهاشميين، ولو كان مجرد رمز، حتى أن في أواخر أيام الدولة العباسية، كان الوزراء هم الذين يتحكمون في كل شيء، حتى في الخليفة العباسي نفسه، لكن لا بد أن يكون الحكم أمام الناس لرجل من الهاشميين. والذين انفصلوا عن الدولة العباسية في الدول التي كانت تابعة لها، لا بد لهم من خطب ود الخليفة العباسي، وطلب رضاه بأي شكل بالمصهارة أو بأي شكل آخر. وفي مقالة للأستاذ الدكتور أسامة فوزي يقول عن الشريف حسين: إنه رجل تركي ينحدر من جدة يهودية تزوجها "محسن" وأنجب منها ابنه "جدعون" الذي يعرف بين العرب باسم "عون"، ومنه انحدرت الأسرة الهاشمية التي حكمت في العراق والأردن والحجاز. واليهودي كما هو معروف ينسب إلى أمه. فابن اليهودية حتى لو كان أبوه عربيا أو مسلما يعتبر وفقا للديانة اليهودية يهودياً. ويلقب حسين بن علي بالشريف لأنه تولى الإشراف على الحجاز بتوصية من ضباط حزب الاتحاد والترقي التركي وأكثرهم من اليهود. يعني لم يكن شريفاً لأنه من الهاشميين، وإنما لطبيعة عمله، لكن الكل يدعي أنه من الأشراف: ومن المعروف أن ملوك المغرب منذ الملك محمد الخامس ينتسبون إلى الإمام علي بن أبي طالب، ومليكة أوفقير في كتابها عن رحلة سجنها هي وأمها وأخوتها بعد مقتل والدها الجنرال أوفقير، تقول إنها من عائلة أصولها من عين الحوت في الجزائر حيث أنها تنتسب إلى الأشراف السليمانيين. وقد كنتُ أعرف فرانا في فرن قريب من بيتي يحتفظ بشهادة تثبت أنه من الأشراف، ويقولون أن أم كلثوم قد حكت بأنها عندما غنت قصيدة شوقي "سلوا قلبي" ، بكت وهي تقول:
وذلك لأنها من سلالة الرسول، وشوقي مؤلف القصيدة يقول عن نفسه ذلك أيضا. لقد كان آخر نقيب للأشراف في مصر السيد محمد الببلاوي، لكن بعد موته عام 1953 لم يعين جمال عبدالناصر نقيباً غيره، على أساس أن كل البشر متساويين، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالعمل. وظل الوضع على ما هو عليه إلى أن أصدر الرئيس حسني مبارك قرارا جمهوريا بتعيين السيد محمود كامل يس نقيباً للأشراف في فبراير/شباط 1991 وبهذا قد عادت نقابة الأشراف إلى ما كانت عليه. وبمناسبة الحديث عن نقابة الأشراف لا بد أن نتطرق إلى أهم نقيب للأشراف في تاريخ النقابة وهو محمد توفيق البكري، فقد كان شاعرا وأديبا يجيد لغات عديدة، وكان له دور في السياسة والمواقف المشهورة، فقد تم زواج صفية ابنة الشيخ السادات في بيته على الشيخ علي يوسف بعدم رضا أبيها، فصفية كانت أخت زوجته، وهي حادثة مشهورة تحدثت عنها الصحف طويلا، كما أن البكري كانت له حكايات مع الخديو عباس حلمي، فهو المحرض على كتابة القصيدة الشهيرة في هجاء عباس حلمي والتي مطلعها: وقد كان الخديوي عباس حلمي يخشى البكري ويحترس منه خشية أن يعينه اللورد كرومر (المندوب السامي البريطاني في ذلك الوقت) حاكماً لمصر بعد خلع الخديوي، فقد بلغه مدى إعجاب كرومر بالبكري، فهو يُثني عليه حتى في غيابه، فدبر عباس حلمي مؤامرة للوقيعة بينه وبين كرومر، فأرسل حفني ناصف إلى بيت البكري ليناقشته في الأدب، فقال حفني ناصف له: - معذرة فأنت نقيب الأشراف، لكنك لست حاذقاً في كتابة الشعر. فغضب البكري وتحداه، بأن يكتب كل منهما قصيدة في موضوع معين، وينظرا من الأجود فيهما، فاشترط حفني ناصف أن يكتبا في مواضيع غير مطروقة، أن يكتبا في الغزل في المذكر مثلاً، فوافق البكري، وكتبا قصيدتين، فأمسك البكري الورقتين، وشهد للبكري بالجودة والتفوق عليه، وتظاهر بتمزيق الورقتين، لكنه مزق ورقته، ودس ورقة البكري في ملابسه وسلمها إلى الخديوي الذي سلمها لكرومر، قائلا له: فغضب كرومر من البكري، ولم يعد يدعوه إلى الحفلات الرسمية التي تقيمها السفارة، ولم يعد يذكره بالخير في غيابه كما كان يفعل، وبهذا أمن الخديوي عباس حلمي من خطر محمد توفيق البكري نقيب الأشراف....ميدل ايست اونلاين ==============================