محمد الأشهب - الحياة- رجل وامرأة وقضية، تلك هي حال المفتش العام للشرطة لدى «بوليساريو» الذي وجد نفسه يقبع في الزويرات في منتصف الطريق نحو العودة الى مخيمات تيندوف. ولا يبدو ان وضع المنشق مصطفى سلمى ولد مولود مختلف كثيراً عن تجربة سابقة للناشطة اميناتو حيدر التي أبعدتها السلطات المغربية عن العيون، كونها رفضت الاعتراف بجواز سفرها المغربي، وخاضت إضراباً عن الطعام من جل العودة.
أما القضية فهي نزاع الصحراء الذي طال أمده، الى درجة ان المبادرات الأقرب الى استيعابه انسانياً تصدر عن صحراويين، كانوا الى وقت غير بعيد موزعي الولاءات بين المغرب و»بوليساريو». وهم اليوم يحاولون، كل على طريقته، فتح كوة في الجدار السميك الذي يحجب رؤية الحقيقة. والراجح انه في ضوء عدم صدور إشارات قوية تفيد ان القضية في طريقها الى الحل، بدأت هذه المبادرات تعتلي السطح. أقلها ان مسؤولاً سابقاً في «بوليساريو» يصر على الاحتفاظ بوضعه القيادي في الجبهة أعلن انه عائد الى مخيمات تيندوف للجهر برأي مخالف.
بيد ان مشكلة «بوليساريو» التي كثيراً ما انتقدت المغرب بدعوى تضييق الخناق على ما يُعرف بمسانديها في الداخل، الذين أثير لغط كبير حول اعتقال أعداد منهم زاروا مخيمات تيندوف وعادوا الى المحافظات الصحراوية الواقعة تحت نفوذ المغرب، لم تقبل مجرد عودة قيادي انشق عنها وأراد اختبار قدراتها في استيعاب تعددية المواقف والآراء. فمن وجهة نظرها هناك أبيض وأسود، أي الانتساب الى الجبهة ومعاداة المغرب. وليس بينهما أي موقف آخر يكون أقرب الى الوسطية.
حين اندلعت قضية الناشطة اميناتو حيدر بعد ترحيلها الى جزر لاس بالماس، لأنها رفضت الإقرار بجنسيتها المغربية، كان حظها أكثر إثارة إعلامياً، وانقضت أوساط إسبانية متشددة على الفرصة لانتقاد ما اعتبرته انتهاكاً لحقوق الإنسان في الصحراء، قبل ان تؤول القضية الى حل إنساني أقرت مدريد وباريس وواشنطن في تفاصيله بأن القوانين المغربية هي التي يسري مفعولها في المحافظات الصحراوية.
والظاهر ان المنشق مصطفى سلمى يحتاج بدوره لأن يخوض إضراباً عن الطعام لإثارة الانتباه الى قضيته، وبعد ان كان يتوقف لمحاورة صحراويي تيندوف حول أفضل السبل الممكنة لرفع معاناتهم، أصبح يطالب بتمكينه من ملاقاة أبنائه وأفراد أسرته، بعد أن أبدت قيادة الجبهة مزيداً من التشدد في رفض عودته الى المخيمات، إلا ان تكون من أجل خضوعه لمحاكمة بتهمة الخيانة. ما يعني ان الجبهة لا توفر أي فرصة لوجود رأي آخر داخل المخيمات وتلك علامة ضعف في حال مقارنتها بالصورة الأخرى، إذ ينشط «بوليساريو» الداخل في المحافظات الصحراوية مطالبين بالاعتراف بحقهم في الإعلان عن وجودهم، ولو أنهم حالات قليلة ومعزولة وسط التيار العارم الموالي للسلطة المركزية في الرباط.
ليس التغيير الذي وقع في إدارة ملف الصحراء طفيفاً، على رغم ما يبدو انها حالات فردية تفرض نفسها إعلامياً وواقعياً، ولكنه ينبئ بتحول إيجابي، أقربه ان السكان المعنيين بالقضية باتوا يعبرون عن مواقف مغايرة للاتجاه السائد. وكما نتج عن قرار الانفتاح الذي اتخذه المغرب في إطار تحسين سجله في ملف حقوق الإنسان ظهور أصوات مناوئة لمنطق الدولة في التعاطي وقضية الصحراء، فإن الأمر ذاته انسحب على الأوضاع في مخيمات تيندوف، لكن نتيجة فرض القبضة الحديد والانغلاق. ولعل هذا التطور المنفلت من زمام السيطرة هو ما سيدفع الأطراف المعنية الى الاستفاقة من صدمتها حيال الاطمئنان الى الوضع الراهن، حيث يسود منطق لا حرب ولا سلم ولا استقرار.
بلغة الأرقام بلغ عدد النازحين الشباب المتحدرين من أصول صحراوية في اتجاه المغرب اكثر من 1600 شخص في فترة لا تزيد عن ثلاثة اشهر والأهم ضمن تركيبة اولئك النازحين انها تضم شباباً ولدوا وترعرعوا في المخيمات، أي بعد اندلاع نزاع الصحراء عام 1978، ما يعني ان وعياً جديداً بصدد التبلور في المخيمات، كما ان ما يعرف بـ «بوليساريو الداخل» يتشكل بدوره من الشباب وهذه الظاهرة الجديرة بالتأمل تعكس ميولاً جديدة لدى فئات من الصحراويين الذين تمرسوا على الولوج الى عالم التواصل والتكنولوجيا والإنترنت بدل التدريب على استخدام الكلاشنيكوف.
لعل أبرز ما ميّز نزاع الصحراء أنه أدير لفترة طويلة بمنطق ولاء الشيوخ والزعامات القبلية التي تحظى بالاحترام والتقدير في مجتمع صحراوي تمكنت منه ظاهرة الترحال، أما اليوم فثمة منطق آخر يلوح في الأفق. انه منطق الجيل الجديد الذي يريد أن يجد لنفسه موقعاً تحت الشمس، بعيداً من ساحة الحروب والاقتتال، ما يفيد أن البعد الإنساني يبقى دائماً المعادلة الأقرب الى الإمساك بالحقيقة الغائبة.
========================
تفاؤل صحفى من الأحرار
members
عدد زوار الموقع
القائمة البريدية
اختر لغتك المفضلة
بوليساريو» والتغيير من الداخل
الأحد، سبتمبر 12، 2010





