الفاتيكان وتهديد «الإسلام السياسي» للمسيحيين * ياسر الزعاترة

السبت، يونيو 19، 2010

بحسب ورقة عمل صدرت عن بابا الفاتيكان أثناء زيارته الأخيرة لجزيرة قبرص ، فإن "الإسلام السياسي" في المجتمعات العربية والتركية والإيرانية وتيار العنف يشكل تهديدا للجميع ، المسلمين والمسيحيين على حد سواء. وذهبت الورقة أيضا إلى أن الغموض في الحد الفاصل بين الدين والسياسة في الدول الإسلامية عادة ما "يهبط بالمسيحيين إلى مراتب دنيا على اعتبار أنهم مواطنون من الدرجة الثانية رغم أنهم مواطنو تلك البلاد قبل ظهور الإسلام".تخصص الورقة بعض الفقرات المهمة للوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتلقي باللائمة على الاحتلال الإسرائيلي ، فيما تحذر من أن بعض المتطرفين المسيحيين يستخدمون النصوص الإنجيلية لتبرير الاحتلال الإسرائيلي مما "يجعل موقف العرب المسيحيين قضية أكثر حساسية". وفيما يشبه التحذير من زوال المسيحيين من الشرق الأوسط قالت الورقة إن زوالهم "سيشكل خسارة للتعددية التي تتسم بها منذ الأزل دول الشرق الأوسط".ليس ثمة مشكلة في أن يتحدث البابا في شأن المسيحيين هنا في منطقة الشرق الأوسط ، ولكن المشكلة في طبيعة الرؤية والمعالجة ، سواء في سياقها الراهن ، أم فيما خص أبعادها التاريخية. وحين يتحدث عما يمثله صعود الإسلام السياسي من تهديد للمسلمين والمسيحيين على حد سواء ، فهو يعني المسيحيين ابتداءً وليس المسلمون ، وهنا يمكن القول إن هذا الكلام لا يبدو دقيقا ، إذ حتى تيارات العنف "الإسلامية" لم تتعرض بشكل لافت للمسيحيين إلا في حالات محدودة ، بما في ذلك في العراق الذي لم يتعرض فيه تنظيم القاعدة للمسيحيين ، وحين فُجرت بعض الكنائس أعلن براءته من الجريمة.هذا على صعيد تيارات العنف ، أما على صعيد الإسلام السياسي بشكل عام ، وأكثره وسطي الخطاب ، فهو لم يتورط في أي خطاب يحرّض على المسيحيين ، فضلا عن التورط في أية ممارسة تسيء إليهم ، وإذا وجدت بعض الحالات فهي هامشية. وفي مصر على سبيل المثال يحدث العكس ، إذ تقف الكنيسة إلى جانب الدولة ضد الإخوان المسلمين ، بينما هذه الأخيرة هي المتهمة بالتمييز والاضطهاد من طرف الجمهور القبطي وليس الإخوان ، بل إن التيارات الإسلامية "غير السياسية" والمدعومة من طرف السلطة هي التي تتبنى خطابا مناهضا للمسيحيين وليس الإخوان.ولنتذكر أن الإخوان في مصر على سبيل المثال يتعرضون لاضطهاد أكبر بكثير من ذلك الذي يتعرض له الأقباط ، فهم يُعتقلون وتصادر أموالهم ، ويطاردون على شتى الأصعدة ، وهم لا يتدخلون البتة في أي نشاط ينطوي على تمييز ديني ، وكم من مرة دعموا مرشحين أقباط في الانتخابات. وفي لبنان (دعك من وضع الأردن المتميز على هذا الصعيد) ، إذا استثنينا الحرب الأهلية ، ليس ثمة طائفية تستهدف المسيحيين بشكل خاص ، وهم يتناقضون فيما بينهم ، تماما كما يتناقض المسلمون فيما بينهم.إن بقاء المسيحيين في هذه المنطقة ، وكذلك اليهود ، لهو دليل على تسامح الإسلام والمسلمين ، بينما يعرف البابا ما الذي حصل لمسلمي إسبانيا ، كما أن صعود تيارات الإسلام السياسية لم يغير شيئا في هذا الواقع. وفي فلسطين على سبيل المثال لم يحدث أن دخلت حماس في تناقض مع المسيحيين على الإطلاق ، وفي بيت لحم حازت كتلتها على أعلى الأصوات في الانتخابات البلدية.أما مسألة الانقراض أو الزوال (تراجع العدد بتعبير أدق) ، فتلك قصة أخرى يعلم البابا أن لا صلة لها بالإسلام السياسي ، بل بتراجع مستويات الإنجاب من جهة ، وبالهجرة من جهة أخرى ، الأمر الذي يتعلق بظروف البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، فضلا عن تسهيلات الهجرة للمسيحيين ، ولو توفرت لشباب المسلمين تسهيلات مماثلة لما ترددوا في الهجرة ، وأكثر من يموتون في قوارب الهجرة من هذه المنطقة مسلمون كما يعلم الجميع.خلال مرحلة ما بعد احتلال العراق ، كان العراقيون المسيحيون يحصلون على تسهيلات للهجرة ، بينما يصعب ذلك على المسلمين ، وفي لبنان تشمل هجرة المسيحيين ومن يتيسر له ذلك من المسلمين ، الأمر الذي ينطبق على مصر وسواها. والخلاصة أن ظاهرة الهجرة لا صلة لها بالاضطهاد بل بالظروف العامة ، وبأحلام الشباب وقدرة الغرب على الاستقطاب. أما الظلم بمختلف أشكاله ، فتوزعه الأنظمة على الجميع ، بينما تستأثر نخبها بمعظم الكعكة.من الصعب القول أن كل شيء على ما يرام في العلاقة بين الطوائف والأديان في المنطقة ، إذ أن مشاكل الأقليات بمختلف ألوانها لا تزال قائمة ، لكن القول بوجود اضطهاد للمسيحيين على وجه التحديد ، وتأثير سلبي للإسلام السياسي عليهم ينطوي على قدر كبير من المبالغة. - (الدستور-الاردنية)
=======================================