يا كل الناس: طظ فيكم .. مش فيكم قوي

السبت، مايو 01، 2010

عرض: مهدي بندق
هذا كتاب ينتمي للون أدبي طالما أحبه الناس وألحوا في طلبه لندرته من ناحية، ومن أخرى لكونه بمثابة علاج تنفسي لا غش فيه لا سيما حين يتعرض القوم لضغوط من قضايا سياسية واجتماعية لا تجد حلا ً ناجعاً في حقولها الخاصة. ذلك اللون الأدبي هو ما يسمى بالأدب الساخر.
وما من شك في أن رائد هذا اللون هو الفيلسوف الأيرلندي البريطاني جورج برنارد شو الذي عرف منذ البداية أن السخرية مهما تكن قاسية شديدة إنما هي إجراء "يخربش" دون أن يجرح، ويلفت دون أن يكسر الرقبة، وينتقد بقصد الإصلاح لا بغرض التشويه والانتقام. أنظر مثلا ً إلى قوله في محاضرة له بأميركا: أنتم شعب بلا دستور، فما تسمونه دستورا ليس إلا تعهدا بالفوضوية، وهذا بالضبط ما تريدونه لأنفسكم، فأنتم في غمار خوفكم من الدكتاتورية جعلتم من كل صاحب عمل دكتاتورا يضع حياة العمال تحت رحمته، وأقمتم رمزاً لهذه الأوضاع تمثالا ً بشعاً أسميتموه "الحرية". أضحكتموني .. إن الشئ الوحيد الذي ينقص تمثالكم هو أن تخطوا على قاعدته عبارة دانتي التي كتبها على باب جهنم: يا داخل هذا المكان ودع كل أمل.
فماذا فعل الحاضرون؟ صفقوا بشدة.
ومثل هذا يفعله الآن في مصر حين يقرؤون ما يكتبه في مواجهتهم الأديب الساخر جلال عامر، الذي يسابقه على نفس المضمار صاحب هذا الكتاب: إيهاب طاهر. فلقد أدرك إيهاب، مثل شو أن هذا اللون من الكتابة لا غرو يحتاج من صاحبها أن يحتشد لها كل الاحتشاد، وأن يتزود من أجلها بزاد ثقافي وافر وحس نقدي مرهف، إضافة إلى مكر يشبه مكر الجاحظ الذي كتب في القرن الثالث الهجري يقول: البلاغة هي التي إن سمعها الجاهل ظن أنه قادر على مثلها. وهي العبارة التي رصع بها إيهاب صدر كتابه المعنون "طظ فيكم" وهي عبارة قاسية حقاً (لكنها ليست بالطبع في قسوة عبارة مرشد الإخوان الشهيرة). ولهذا سرعان ما استدركها إيهاب بعبارة "تقديمية" أخرى تقول: طظ فيكم .. مش فيكم أوي، ومش ليكم كلكم. كما لم يكتف بهذا الاعتذار ذي الدم الخفيف، وإنما راح يذكرنا بما قاله الشاعر العظيم صلاح جاهين في وجه "المفتري" أيام صولته:
يا طير يا طاير في السما طز فيك
ما تفتكرش ربنا مصطفيــــك
برضك بتاكل دود وللطين تعـود
تمص فيه يا حلو ويمص فيــك
وهكذا يمضي إيهاب طاهر – عبر كتابه الجميل – ساخراً منتقداً كل ما هو سلبي في حياتنا الاجتماعية والثقافية بدءا من أنسقة الزواج إلى مناهج التعليم دون أن ينسى شرح الكلمة "طظ"، ومعناها باللغة التركية: الملح. وكان الملح على أيام المماليك معفياً من الضرائب، فكان التجار يغيظون المماليك بها كلما عبروا بالملح مناطق نفوذهم صائحين: طظ، فيقرض المماليك على ضروسهم محبطين. بعدها تناقلت الأجيال أثر الكلمة دون معناها الأصلي التركي ليعلنوا استهانتهم بشئ ما.
كتاب ممتع بحق، يحرضنا على انتقاد كل وضع خاطئ أو مفهوم سلبي أو فكرة بالية، وهو ما يمكننا فعله مع صاحب الكتاب نفسه الذي حبس فكرته عن المرأة في سجن أيديولوجي تبريراً للنسق الذكوري الموروث الذي ينظّر لإبقاء المرأة في وضعية التابع لا الشريك كامل الحقوق والأهلية، وهو نسق برهنت البيولوجيا والفسيولوجيا والعلوم الإنسانية على تهافته وفساده. وليس مما ينفع مع العلم أن يستبدل بحقوق الكائن الحي الفطرية التدليل اللفظي الماكر. فإذا قال المؤلف: المرأة أمي وأختي وابنتي وحبيبتي لكنني أملك حقوقاً أكثر؛ لقلنا له: طظ فيك. \ميدل ايست اونلاين\

=======================================