مصر: آنسات، مطلقات، وأرامل للبيع

السبت، مارس 20، 2010


مصر: آنسات، مطلقات، وأرامل للبيع


ـ من محمد الحمامصي
يشكل المشهد الرث للأطفال والفتيات والعجائز في إشارات المرور بالقاهرة، يبيعون "فوط" و"كلينكس"، و"الأعلام"، و"أدوات النظافة" ويلقون بإعلانات المولات ومحلات الأطعمة والشقق وغيرها، أو يتسولون، أمراً طبيعياً بالنسبة لسائقي السيارات سواء الخاصة أو العامة أو الملاكي، خاصة في تلك الإشارات التي تمر بشوارع رئيسية.
ويرتدي هؤلاء ـ غالباً ـ ملابس رثة بالية، ويستخدمون الأرصفة على الجانبين محلا لبضائعهم الصغيرة السريعة، والجديد في الأمر هذه المرة، أن يمثل هؤلاء شباب يرتدي ملابس محترمة ويلقي بإعلان غريب، فكما سبق الإعلانات غالبا ما تكون حول بضائع المولات ومحلات الأطعمة السريعة وما شابهها، هذه المرة الإعلان موجه لراغبي الزواج.
الإعلان لجروب "الوسيط"، والوسيط هذه اسم جريدة إعلانات بيع وشراء العقارات والشقق والأراضي والسيارات وكل ما يخطر على البال قديماً أو جديداً، وتحظى بانتشار واسع النطاق لدى العامة والخاصة باعتبارها توزع مجاناً، وتقدم خدمة للبائع والمشتري.
الإعلان الجديد الذي ألقي بوفرة على راكبي الميكروباص، وقد كنت من بينهم، جاء ملوناً، يلقي الضوء على ما وصل إليه أزمة مصر "المحروسة" على مختلف مستويات مجالاتها، فالبيع والشراء لم يعد مقصوراً على السلع الاستهلاكية والعقارات، بل امتد للإنسان المصري رجلاً وامرأة.
هناك أزمة عنوسة في مصر تلقي بظلال قاتمة على مستقبل الجنسين الفتاة والشاب، وأسبابها معروفة ومتشابكة فهي اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، لكن هل هذا مبرر يسمح بتسليعة المرأة والرجل، لبيعهما، ويدفع بقيم أسرية بالغة الأهمية باعتبارها رئيسة لدى المصريين إلى السقوط، على رأسها قيم "الإنسانية"، و"الكرامة" و"الأسرة" و"العائلة".
الإعلان يقول "جميع الأعمار ـ جميع المستويات ـ لدينا "آنسات ـ مطلقات ـ أرامل" لديهم سكن كامل للمعيشة"، "أعزب ـ مطلق ـ أرمل ـ زوجة ثانية، ميسورين الحال"ويقول أيضاً "لدينا جنسيات مختلفة من الجنسين للشفر والإقامة".
سألنا عدد من الشباب حول هذا الأمر فأكدوا رفضهم التام لمثل هذه الطريقة المهينة، وردت إحدى الفتيات "طالبة بكلية التجارة جامعة القاهرة" "شيء سخيف، أنا لو بقيت طول عمري دون زواج لن أفعل ذلك، سأظل عزيزة مكرمة في بيت أهلي حتى ألتقي بشريك حياتي".
واستنكر شاب يعمل في أحد أكشاك شركات الاتصالات داخل مترو القاهرة الأمر وقال"هل يعني ذلك أن أقوم ببيع نفسي أو أن أختي تبيع نفسها، إن في الإعلان رائحة قذرة".
وضحك أحد الشباب قائلاً "هذا الإعلان يذكرني بفيلم يا تحب يا تقب حيث كان يسعى أحمد آدم وفاروق الفيشاوي والمنتصر بالله للزواج من عجائز كونهن يملكن المال والسكن، وكان المصير مؤلما، فهل تتخيل أن أذهب للزواج من واحدة أي واحدة لمجرد أن عندها سكن ومال، قد يقبل غيري لكني لن أفعل".
ورأى د.حميد علي مدرس علم الاجتماع أن الأمر يعد طبيعيا في ظل ما وصلت إليه مصر، فتعداد السكان تحت خطر الفقر وصل إلى الثلث، والتسرب من التعليم يمثل كارثة، أما عن الأمية فحدث ولا حرج "فسكان مصر نصفهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، والنصف الآخر يعاني من الأمية الثقافية، فماذا تنتظر؟ أنت غاضب على إعلان ورقي صغير يلقي هنا وهناك من شارع لآخر، وغالبا لن يعيره أحد اهتماما، فأين غضبك من الدعارة المقنعة التي تقدمها أغاني الفيديو كليب ليل نهار، الأمر أكبر من ورقة تلقى على المارة، فالقيم الاجتماعية في مصر تنهار إن لم تكن انهارت، الابن يقتل أمه وأبيه، والأب يقتل أبناءه، والآن العنف يجتاح سلوك الطفل هل تصدق أن طفلا عمره 12 عاما يقتل زميله في الفصل المدرسي، وأن أهل هذا الطفل يدخلون الفصل وينزلون على الطفل القاتل بالسنج والمطاوي فيمزقونهم".
أمر هذا الإعلان طبيعي بالنسبة للدكتور حميد خصوصاً وأن البيع يتم منذ زمن طويل"هناك قرى منذ السبعينيات تخصصت في بيع بناتها الصغيرات للأثرياء من عرب ومصريين، وأجريت عشرات الدراسات الميدانية والبحثية حول ظواهر خطرة تهدد الفتاة خاصة في مصر ولا أحد يلتفت إليها، البطالة والفقر يضربان مصر ولكل ذلك تأثيره على أبنائها". \ميدل ايست اونلاين
===========================================