مستقبل اللغة العربية برؤية أجنبية

السبت، نوفمبر 21، 2009


مستقبل اللغة العربية برؤية أجنبية

عبد الحنان فيصل تاجو -أتابع بحرص واهتمام شديدين المقالات والمناقشات التي تتناول موضوع اللغة العربية، في الصحف المحلية ومن هنا أحيي وأضم صوتي بكل قوة واعتزاز مع أصوات الإخوة المدافعين عن لغة القرآن التي تشرفت بإتقانها كتابة وتحدثاً بحمد الله حيث مَنَّ الله علي أن تخرجت في كلية اللغة العربية قسم الصحافة والإعلام في جامعة الأزهر عام 1992م.
 تشجعت على المشاركة في هذا الموضوع الحيوي كأعجمي وغير عربي لعل وعسى أن تكون هذه المشاركة بناءة ومفيدة تترك وتخلق أثراً إيجابياً لدى القراء على اختلاف مواقعهم، وأود التأكيد على هذا  الرأي بالوقائع التي سأتحدث عنها لاحقاً. وقبل الخوض عميقاً في هذا الموضوع، أود أن أستعرض مدى تعلقي باللغة العربية منذ نشأتي، وكيف أدافع عنها أمام من يحاول إساءتها من خلال استخدامها بطريقة غير سليمة من قبل بعض أصحابها حينما يتحدثون مع أي أجنبي مثلي.
 إن بعض هؤلاء الأشخاص ــ لا أقصد هنا شخصاً معيناً ولا جنسيته - وبمجرد أن يروا ملامح شخص ما بأنه أعجمي يبادرونه باستخدام لغة مكسرة على الطريقة الهندية أو البنجالية التي لا أصل لها ولا صلة من اللغة العربية، ولا هي لغة عامية أو دارجة إنما هي لغة مستحدثة يفهم من خلالها العمالة البسيطة الذين لا يعرفون إلا لغتهم المحلية.
 فأبدأ مواجهتهم مباشرة باستخدام عبارات وكلمات عربية خالصة ومرتبة مبيناً لهم أنني درست اللغة العربية من ألفها إلى يائها بما فيها من النحو والصرف وأحفظ بعض القصائد والأبيات الشعرية، كما أنني أحب اللغة العربية بجمالها وهي لغة رائعة بل أفتخر وأعتز بها كأنها لغتي الأم، فلماذا لا نستخدمها كما هي لغة جميلة ورقيقة؟
  كما أرُدّ أحياناً على المتصل الذي يغير كلامه مجرد إحساسه بأنني أجنبي غير عربي، وإذا كان من ذوي التعليم الخارجي يبادرني بقوله هل أتكلم معك باللغة الإنجليزية؟ فأرد عليه بكل أدب بأنني في دولة عربية وأحترم لغة أهلها، فالشخص الأمريكي مثلاً وفي أي مكان في العالم موجود فيه لا يتحدث إلا بلغته، فلماذا لا نستخدم العربية ونحن في دولة عربية على الأقل احتراماً لهذا البلد العربي؟!
 كما أود الإشارة هنا إلى عزوف الأجانب وأبنائهم من تعلٌّم اللغة العربية سواء أكانوا مسلمين أو من أتباع ديانات أخرى، بخلاف ما يحصل في الولايات المتحدة، مثلاً أو في أوروبا، فإن هَمّ الأجنبي في المقام الأول وبمجرد وصوله إلى هذه البلدان أن يتعلم لغتهم، فتجدهم جميعا يستخدمون اللغة الإنجليزية أب وأم وأبناء بكل فخر واعتزاز بل يشعرون بأنهم في أعلى مرتبة من الثقافة والتعليم. 
 وأما حالهم في بعض الدول العربية بالأسف الشديد يختلف تماماً، فقد تجد زميلاً لك في العمل عاش معك أكثر من 25 سنة فهو لم يتمكن ولم يحاول طوال كل السنوات التي قضاها هنا أن يتعلم جملة أو جملتين سليمتين  من اللغة العربية، ناهيك عن أبنائه الذين يدرسون في مدارس أجنبية لا تجد تشجيعاً لا من أسرته ولا من مدرسته.
  ربما هذا ما دفع أحد الإخوة المواطنين من منطقة القصيم الذي يكتب رسالته لنيل  الدكتوراه إلى اختيار هذا الموضوع لبحثه، وقد تعرَّف عليّ من خلال مدرسة أبنائي الحكومية هنا في الرياض، وأجرى معي وأبنائي لقاءً مطولاً ضمن لقاءاته لجمع معلومات وردود من المقيمين القلة الذين يلحقون أبناءهم بالمدارس السعودية الحكومية.
 وأفاد من خلال معلومات جمعها حول أسباب عزوف الأجانب عن تعلم العربية وعدم إرسال أبنائهم إلى مدارسها قائلاً إن من أهم أسباب هذه الظاهرة  شعور المقيمين بعدم الاستفادة من اللغة العربية مستقبلاً مما لا يضمن حصول أبنائهم على وظيفة محترمة في المستقبل سواء في السعودية أو في أوطانهم الأصلية.
 ثانياً: لا يُسمح لهم بمواصلة دراستهم بعد التخرج من الثانوية هنا مما يجعل مستقبلهم في حال عالق. من هذا السياق هناك فعلاً أبناء أجانب يلتحقون بالمدارس السعودية في المرحلة الابتدائية ثم يتركون الدراسة بعد إدراكهم حقيقة الأمر.
 ثالثاً: عدم اهتمام الكفلاء والشركات بمعرفة العاملين لديهم لغة البلد، وعدم تشجيعهم على تعلمها كشرط لقبولهم في العمل أو استمراريتهم.
 والأمر الواقع يثبت هذا التخوف، فمثلاً نجد في كثير من الإعلانات الخاصة بالوظائف ربما كلها تفيد بأن أرباب العمل يشترط من المتقدم معرفة اللغة الإنجليزية كشرط أساسي، بينما لا تجد إعلانا يشترط فيه صاحب العمل معرفة اللغة العربية. نجد أحياناً عبارة هامشية تفيد أفضلية لمن يعرف اللغة العربية.
 وهنا دخلت الحوار الجاد مع الأخ الباحث حينما سألني عن مستقبل أبنائي في ظل حاجة الشركات الملحة إلى الأجانب بلغتهم الإنجليزية.
فقلت له بكل أمانة وثبات موقف إنني أرى مستقبلاً مشرقًا لأبنائي وأنا متفائل تفاؤل أهل هذا الدين القوي الثابت. وهذا يقودني إلى التطرق والإشارة إلى الوقائع والتوقعات المستقبلية التي أفرزتها التطورات والتغيرات في نظام الاقتصاد العالمي.
 أولاً: أنا مؤمن بهذا الكتاب العربي المبين، كتاب الله ودستور الأمة الذي رفعت به الأمة مثل ما نراه في هذا البلد الأمين، قال تعالى في سورة يوسف «إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون» وفي المقابل خذل وخسر من تناساه وأخذ غيره من الدستور الوضعي فأخطأ في الحسبان والحساب.
 ثانياً: إن ما تشهده الدول الكبرى في الغرب من تدهور اقتصادي لا مثيل له في العصور الماضية المتعاقبة، والتي أدت إلى إغلاق شركات عملاقة عديدة في أمريكا وحدها، ويهدد المزيد، وهم أنفسهم الآن يرجحون أسباب ذلك التدهور بالأخطاء في نظامهم الاقتصادي، مما اضطرهم إلى البحث عن البديل، فوجدوا ضالتهم في نظام الاقتصاد الإسلامي وأيدهم في ذلك ضمنياً بابا الفاتيكان، فتحركوا أفرادا وأفواجاً صوب الدول الإسلامية سعياً منهم إلى معرفة المزيد عن هذا النظام، ولا يستطيعون التعمق فيها إلاّ بالرجوع إلى الفقهاء وعلماء المسلمين.
 ثالثا: قلت للأخ الباحث إنني أعتبر اللغة العربية بمثابة الأصل وغيرها من اللغات الأخرى فروع، وإذا تزود أحد بالفرع أعتبره كسباً إضافياً أو وسيلة قد تستخدم للوصول إلى الهدف المرجو. على سبيل المثال، تجد عمالاً لديك يتقنون اللغة الإنجليزية، مثل الفلبينيين، والهنود وغيرهم، هل تشعر بأن هؤلاء أفضل منك وأرفع منك درجة؟ أبداً فالعكس صحيح إنما جاؤوا لخدمتك وتوفير كل أسباب الرفاهية للبلد والمواطن الذي قد لا يتكلم اللغة الإنجليزية على الإطلاق.
 رابعاً: كما أشرت سابقاً إلى أن تداعيات الأزمة الاقتصادية في العالم الغربي عموما والتوجه إلى النظام الإسلامي في الاقتصاد، ظهر معها استخدام الاصطلاحات الاقتصادية العربية، التي لا توجد إلا في كتب الفقه مثل الصكوك والمرابحة وغيرها من المفردات العربية.  إن على العالم العربي وفي وقت حاجة العالم أن ينتهز هذه الفرصة السانحة، ومع كل هذه الإمكانيات نستطيع فرض اللغة العربية على قاصدي السعودية والخليج عموماً من باحثي العمل، كما يعرف الجميع بأنه كلما تعلم الناس لغتنا كلما كسبنا ودهم وتفاهمهم لقضيتنا. وكلما تعمقوا فيها يتضاعف عندهم حبهم للغة وأهلها كما أشعر شخصياً في أعماقي.
 وأخيراً رجوت من الأخ الباحث أن يبرز في بحثه فتح مجال لمن هم في الصفوف الدراسية من المقيمين الأجانب وهم قلة جداً مواصلة دراستهم في الجامعات السعودية على اختلاف تخصصاتها، حتى يتخرجوا منها وهم يحملون في صدورهم انتماء إلى هذا البلد المعطاء، وهم بلا شك تعلموا مثل زملائهم من السعوديين كل ما هو لصالح البلد وهم مستعدون لخدمة البلد بكل الإخلاص والوفاء وإذا رجعوا إلى بلدانهم سيكونون سفراء أمناء لهذا البلد الكريم. الاقتصادية
================================================