الصراع الطائفي في الخليج مازال في السماء

الخميس، سبتمبر 16، 2010

د. مطلق سعود المطيري: مشكلة دول الخليج أن القضايا التي تمس أمنها الوطني ينظر لها وكأنها كوارث أتت من السماء ، والسماء وحدها كفيلة بحلها ، او كأن هذه القضايا معلقة في الغلاف الجوي ، ولم تستقر بعد على كوكب الأرض ، وابتعدت الرؤوس عن مافيها من مخاوف ، واتجهت نحو الثوابت المسلّم بها مثل الإصرار على عرض صور الوحدة الوطنية لتهدئة مخاوفها ، وكأن الوحدة شيء قدري لا تزحزحه مستحدثات الواقع المضطرب بأسباب التدخلات الخارجية والارتباكات الداخلية .
الفتنة في دول الخليج الآن أمر مشاهد وواقع معاش ، ويسير بأقدام مذهبية نحو التفكك والنزاعات الطائفية ، وبدأ تجميع الحطب لإشعال الصراع الطائفي في المنطقة ، ولم يعد الامر يتعلق بطرح الاختلافات المذهبية للبحث لها عن تأطير وطني يضمن قبول تنوعاتها باحترام متبادل ومرض ، كما يفعل بعض المثقفين والمشايخ في ندواتهم ومنابرهم الاعلامية الذين اعطوا صورة متخيلة عن الواقع وبشروا بتقبل الاختلاف ، واستشهدوا بوقائع تاريخية وحجج شرعية لدعم حالة الرضا التي سرعان ماتزول عند أدنى مستوى من الاحتكاك الغاضب .. وفي قضية ياسر الحبيب دليل على انفراط عقد الحل من ايدي المثقفين والمشايخ ، بل إن بعضهم بعد ان تقدمت القضية خطوة واحدة نحو التصادم لحق بأهل مذهبه ليذود عن حياضه ، هذا في اختبار الخطوة الاولى ، فكيف سيكون الامر عند اكتمال جميع خطوات مسار الصراع ، وهناك حقيقة لابد من طرحها حتى لو وصفت بعدم الحياد بسبب المذهب(سني) وهي ان معالجة قضية الاختلاف في الخليج في هذه المرحلة في الغالب تأخذ شكل الانحياز للأقلية الشيعية بسبب الاعتبارات الخارجية ، والانتصار لمفهوم المواطنة ، كما ان طرح مفهوم تجديد الخطاب الديني يقصد به خطاب أهل السنة الذي اصبح في موقع الاتهام بسبب بعض مظاهر العنف التي قام بها اتباعه ، وهذا الشيء جعل الكثير من المهتمين بأمر معالجة مظاهر الاختلاف يترددون امام أي صيغة قد تحمل صورة من صور الاقتراب من المذهب السني على حساب المذهب الشيعي بسبب الاعتبارات السابقة .
ويأتي المشروع الايراني في المنطقة كعامل اساسي في هذه القضية ، والذي نجد له اشكالا متنوعة من التعاطي معه من قبل البعض ، فهناك فئة وهم قلة ضئيلة جدا في المنطقة مؤيدة له تماما ، وربما يكونون عرابته في المنطقة ، وفئة ترفضة تماما ولكنها مستفيدة من وجوده كعنصر ضغط على دول الخليج لحصولها على بعض الامتيازات ، حيث ترى تلك الفئة صعوبة حصولها عليها في ظل غياب المشروع الايراني ، ومن هذه المصلحة تأسس فهم آخر للاختلاف ، يدعم الاحتكاك الغاضب بدون ان يشعل نيرانه ، وان مخاوف بعض دول الخليج قد تكون لها اساسات واقعية بسبب عدم اتضاح مفهوم المواطنة الصحيحة التي تمر في بداية مراحل الانتماء ويكون من الطبيعي ان يتخللها بعض الاخطاء التي انعكست سلبا على مفهوم الانتماء .
ان الاضاءات الخافتة لصورة الصراع اليوم لا تجعلنا نسلّم بانطفائها بفعل قدرية الوحدة الوطنية ولكننا امام مشروع إحراق عروبة الخليج وتحويله الى خليج فارسي ، وهذا امر يتعدى دور المثقف المنبري ، الى دور السياسي وصاحب القرار لتكون المعالجة قانونا ملزما له سلطة الاجبار ، وهذا شيء من اختصاص السياسيين في دول الخليج ، الذين لم نشاهد لهم قرارا بهذا الشأن يستمد قوته من تماسك الوحدة الوطنية ، ولا يبرر غيابه بوجودها ، ولكن المشكلة ان هذه القضية محل خلاف بين السياسيين في مجلس التعاون ، ولهم نقول ان الشيء الذي لا خلاف حوله هو ان هذه القضية تمس أمن دولهم التي بدأت تسير نحو منزلق خطير على ارض الواقع ، وليس كما يرى بعض الساسة انها مازالت في السماء ، او كما يقال " سحابة صيف وتعدّي" .[ جريدة الرياض

========================